تشهد المملكة خلال هذه الحقبة من الزمن ما يمكننا تسميته بثورة تنموية عارمة فيما يخص تحديداً تطوير وتشكيل وتحسين البنى التحتية لمختلف مدن المملكة، فقد فتحت الدولة جبهات عدة لرفع كفاءة الخدمات الأساسية للمدن وتعديل أوضاع متردية أتت نتيجة عدة عوامل من أهمها التزايد الحاد وغير المتوقع للتعداد السكاني في المملكة والذي تمخضت عنه فجوة بين الخدمات المتاحة والاحتياج الفعلي، والتطور المتسارع للمملكة على جميع الأصعدة لملاحقة الطموحات والتطلعات القيادية والشعبية للرقي بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة مع وجود نقص حاد في تشريعات وتنظيمات وقوانين وإجراءات عملية مكتوبة ومطبقة ومراقبة تضمن أن تصب كافة الأعمال والتوجهات لمختلف الوزارات والجهات الحكومية ذات العلاقة في هدف محدد لخطة واضحة المعالم مستقاة من استراتيجية شاملة لتطوير أراضي المملكة العربية السعودية. بوجود الكم الهائل من مشاريع البنى التحتية في المملكة الآن وما سينتج عنه من فتح آفاق جديدة لتطوير مناطق حضرية فإنه من الواجب على الوزارات والجهات الحكومية ذات العلاقة أن تبدأ في الحوار بين بعضها إن ركيزة الانطلاق لأي حضارة تاريخية واستمراريتها منوطة بجودة أنظمتها وقوانينها، والجودة هنا تشمل ايجاد النظام وتفصيلاته بغض النظر عن ماهية هذه الانظمة، ووضع آليات لتطبيقه على كامل المجتمع دون استثناء وتوضيح تفاصيل الحقوق والمسؤوليات والعقاب والجزاء له وفرض جهات رقابية لمتابعة تنفيذ تلك الأنظمة والقوانين دون وجود سلطة مطلقة لأي طرف مع ضرورة وجود مركزية في تشكيل هذه القوانين تضمن تجانس هذه الأنظمة مع بعضها البعض وسلاسة اجراءاتها لخدمة المجتمع وفتح قنوات للتواصل تسعى لتطوير هذه الأنظمة بشكل دوري لتتماشى مع المعطيات المتغيرة للمراحل الزمنية المتلاحقة. لقد بدأت الحضارة الإسلامية بنزول القرآن الكريم وهو المشرع الذي وضع الأنظمة والقوانين الرئيسية والتي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوضيحها وبيان تفاصيلها وآلية تطويرها وفرض تطبيقها على كامل شرائح المجتمع حين قال «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، واستمرت وتوسعت هذه الحضارة بتوثيق مستمر للقوانين واجراءاتها، ومن المهم ذكر أنه في بداية تولي العثمانيين حكم الدولة الإسلامية قاموا بجمع عدد كبير من الكتاب والمشرعين ووضعهم في صالات لكتابة وتوثيق قوانين الدولة واجراءاتها واستمروا في ذلك شهوراً حتى اكتملت منظومة قانونية موثقة سمحت للدولة العثمانية بالاستمرار مئات السنين وتوسعت بشكل لم تشهده حضارة من قبل. وبدراسة باقي الحضارات المؤثرة التاريخية والحاضرة نجدها مشتركة في ذات الأمر، وحتى على صعيد تطوير الدول والمدن فلا نجد مفراً لها من اتباع نفس النهج، وما حدث من نهضة في دولة الإمارات العربية المتحدة لهو أفضل دليل على تأثير المنظومة القانونية التشريعية في تطور الدول، وعلى من يلجأ إلى أعذار المساحة الجغرافية والتعداد السكاني إلقاء نظرة على دولة الصين وما يحدث فيها من تطور ونهضة. إن قرار تنمية وتحسين البنى التحتية في المملكة ورصد ميزانيات ضخمة لها هو قرار ضروري وجرئ، حيث إن مشاريع البنى التحتية للمدن لها ثلاث خواص رئيسية هي: انها باهظة التكاليف وتسبب الكثير من التوتر وعدم الراحة أثناء العمليات الإنشائية وذات إطار زمني طويل نسبياً، كل ذلك يجعل متخذي القرار في الدول بشكل عام يتجنبون المساس بالبنى التحتية قدر المستطاع إلا عند تفاقم الوضع مع وجود قيادات مخلصة همها بناء مستقبل أفضل للمجتمع. بوجود الكم الهائل من مشاريع البنى التحتية في المملكة الآن وما سينتج عنه من فتح آفاق جديدة لتطوير مناطق حضرية فإنه من الواجب على الوزارات والجهات الحكومية ذات العلاقة أن تبدأ في الحوار بين بعضها وتخرج كل منها من حصنها المنيع وتطرح أنظمتها واجراءاتها على طاولة واحدة، وتناقشها وتطورها لتخرج بمحصلة إجراءات سلسة دقيقة ومحكمة وموثقة التوثيق الصحيح تضمن الاستغلال الأمثل لأراضي المدن، مع جودة المنتج النهائي وبأبسط وأسرع الإجراءات المنظمة التي تخدم المجتمع، والمتفق عليها من قبل كافة الجهات المختصة دون تضارب في المسؤوليات وضياع للحقوق حتى لا يغني كل على ليلاه ويبقى المجتمع يبحث عن أي ليلى يغني، وحتى لا تضيع هذه الجهود والأموال المستثمرة في مشاريع البنى التحتية سدى. عضو الجمعية السعودية لعلوم العقار [email protected]