توترت الأجواء السياسية والاقتصادية في شبه الجزيرة الكورية مؤخراً بعد التهديدات التي أطلقتها كوريا الشمالية باستخدام القوة التقليدية والنووية ضد جارتها الجنوبية وحليفتها الولاياتالمتحدة. هاتان الدولتان كاتنا بلدا واحدا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، يتكلم أهلهما لغة واحدة هي الكورية، وما زالت عوائل عدة موزعة بين الشمال والجنوب دون أن يلتقي أفرادها لعقود. الفرق الاقتصادي والتنموي بين شمال كوريا وجنوبها مفزع من هول تباينه، ولعله من أفضل الدروس التي يستفيد منها المهتمون بعلوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع في إبراز التباين بين بلدين انطلقا من نفس النقطة ويتقاسمان نفس الموروث التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، ولكن أحدهما اختار تنمية مقدراته البشرية والاقتصادية لتحقيق رفاه مواطنيه وخوض المنافسة في الأسواق العالمية (الجنوبية)، فيما اختار الآخر طريق الدكتاتورية الشمولية في أبشع صورها لتسخير مقدراته البشرية وموارده لخدمة حاكمه وجيشه (الشمالية). هذا التباين يبدو جليا عند مقارنة المؤشرات بين البلدين: المساحة الجغرافية بين البلدين متقاربة حيث تبلغ مساحة الشمالية 120 ألف كم مربع والجنوبية حوالي 100 ألف، فالبلدان إذا صغيران حجما. عدد سكان الشمال أكثر من 24 مليون بينما سكان كوريا الجنوبية ضعف ذلك، أي حوالي 48 مليون نسمة. متوسط الأعمار في كوريا الجنوبية أكبر بكثير من كوريا الشمالية وبفارق 15 عاما كمتوسط (78 عاما في الجنوبية مقابل 63 في الشمالية). لن أخوض في باقي المؤشرات التنموية التي تبرز التباين الشاسع بين الكوريتين، ولكن نظرة على صور الأقمار الصناعية من الفضاء ليلا تعطي صورة واضحة لكوريا الجنوبية المضيئة في كل أرجائها وحتى حدودها، مقابل جارتها الشمالية الغارقة في ظلام الفقر وشح الموارد وإهمال البنية التحتية. بلغ الناتج المحلي لكوريا الجنوبية في العام 2011 أكثر من 1.1 تريليون دولار (متبوئة المركز 15 في تصنيف أكبر اقتصاديات العالم)، فيما بلغ عند جارتها الشمالية 12 مليار دولار فقط لا غير في نفس العام (في ذيل ترتيب اقتصاديات العالم بالمركز 129)! أي أن الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية في عام كامل أقل من أرباح واحدة من كبرى شركات كوريا الجنوبية! أما نصيب المواطن الجنوبي من هذا الدخل فيبلغ بالمتوسط حوالي 22500 دولار سنويا مقابل 555 دولارا سنويا لجاره الشمالي!. وفيما انشغلت كوريا الجنوبية خلال الخمسين عاما الماضية في تنمية مواطنها واقتصادها، متبوئة مراكز متقدمة في التنافسية العالمية من خلال شركات متميزة تقنيا وابتكاريا مثل Samsung، LG، Kia، و Hyundai؛ تستمر جارتها الشمالية في منع وصول الإنترنت لجميع مواطنيها وبرمجتهم على كره جارهم الجنوبي وحلفائه، فيما يغرق هذا الإنسان الشمالي المسكين في الجوع والفقر لأجل معركة ليس له ذنب فيها ولم يختر أن يكون جزءا منها. أما المضحك المبكي فهو تحليل المتخصصين لتصرفات كوريا الشمالية الاستفزازية والتصعيدية عسكريا ونوويا: إثبات القوة لمواطني كوريا الشمالية (الذين لا يعرفون شيئا عن العالم) وابتزاز الغرب لرفع العقوبات وبذل المساعدات (بلطجة)! www.alkelabi.com Twitter | @alkelabi