غرفة رمادية مظلمة تتسلل إليها أشعة الشمس من تلك النافذة المنكسرة و يدخل من خلالها الهواء بقوة ليبعثر تلك الأوراق الملقاة بإهمال على الأرض وبجانبها مرايا مهشمة كقلب تلك الفتاة التي تجلس القرفصاء تبكي في إحدى زوايا الغرفة و هي تتأمل صورة انكسر إطارها .. لقد أُخِذت هذه الصورة قبل يوم واحد فقط من رحيل أصحابها ، كان المكان ملوناً و جميلاً ولا أثر لهذا اللون الرمادي الذي يملأ المكان ! لقد كسرت المرايا حتى هشمتها و نزفت يدها بعد أن دخل الزجاج فيها ..كانت تريد التخلص من كل شيء يذكّرها بأنها فقدتهم (للأبد) فكسرتها حتى لا ترى ذكرى فجيعة فراقهم في ملامحها .. كانت تفعل ذلك عبثاً للتخلص من تلك الذكريات .. وبعدما انتهت من تهشيم المرايا لم تستطع أن تمزّق الصورة بعد أن كسرت إطارها و لم تستطع أيضاً التخلص من ذلك الفستان الموضوع على أريكة الغرفة! .. لقد وضعته أمها على تلك الأريكة قبل الحادث بساعات و قالت : سأقصره حتى أرتديه بعد يومين في حفل زفاف ابنتي الكبرى ثم وضعت بعض الدعوات على الأرض لترسلها إلى جارتها صباح الغد ثم خرجوا جميعاً ..لكنهم لم يعودوا ..! لم يعد سواها ! رحلوا جميعا في حادث سيارة .. أمها و أبوها و أخواها و أختها التي كانت تحدثها عن زوجها و فستانها الأبيض المعلق في غرفتها و عن ماذا ستفعل في حفل زفافها؟ رحلوا .. ولم تقصر أمها الفستان .. لم تتزوج أختها .. لم يرتد أبوها ذلك الثوب الجديد المعلق خلف الباب و لم يفرح أخواها الصغيران بلبس تلك «البشوت» التي كانوا يحلمون بلبسها في ذلك الزفاف .. رحلوا و بقيت هي و ذكراهم.. مرت الشهور.. لم يتغير شيء و لم تخرج من حزنها .. هي في الحقيقة لم ترد لذكراهم أن ترحل لكنها أرادت التمرد على ذلك الحزن و ظنت أنها عندما تتخلص من ذكريات اللحظات الأخيرة سوف تنتصر على الفراق و تشعر بأنهم حولها لم يرحلوا بعد .. لكنها انهارت وسقطت في هذه الزاوية تبكي و ..انتصر الحنين !