أتلقى في الواتساب رسائل كثيرة، وأخضعها للتصنيف العلمي كلما أسعفني الوقت، إلا أن صيغتها العامة تعد مما يفرزه الأدب الشعبي المعاصر، وهو أدب له نظامه الخاص والبعيد عن الأنظمة الأدبية المتعارف عليها، وهو أدب شعبي سريع الانتشار، دون معرفة من كتبه، ويتداوله الناس عبر جوالاتهم الذكية بصورة متسارعة ومذهلة، وخاصة كلما كانت ذات نقد لاذع، أو صراحة مكشوفة في الفكرة أو الصورة. بطبيعة الأمر فإن هذا النص يأتينا وقد تشبعت العقلية العربية والبدوية - على وجه الخصوص - بثقافة الشماغ، وما يحمله من رمزية الرجولة لدرجة أن شماغ العربي صار مقترناً بفكرة الشرف، فلا هو يرضى أن يسقط شماغه عن رأسه، ولو سقط فإنه يقول : (أفا! طاح الشرف)! ويأتينا وقد صار الشماغ لباساً معتبراً وله ماركات وأسعار ذات قيمة عالية، ويحمل رمزية الأناقة والذوق عند السعوديين والخليجيين. ومن الرسائل التي وصلتني رسالة عن أصل الشماغ أو الغترة التي يلبسها العرب على رؤوسهم، تقول : (أصل الشماغ الذى يلبسه الرجال من أين اتى اليكم؟ الحقيقه عندما جاء المستعمر الإنجليزى الى بلاد المشرق العربي والجزيرة العربية كانوا يتناولون طعامهم على طاولات ويفرشون تلك الطاولات بقطعة من القماش المقلمة مربعات وملونة. وكان يقوم بخدمتهم بعض العرب. وأهدوا الى من كان يقوم بخدمتهم من العرب بعض هذه السفر، ووضعها العرب على رؤوسهم لتقيهم حرارة الشمس. واسم المستشرق الإنجليزي (شماقر) وعندما رأى أن العرب يتهافتون على هذه السفر ويستخدمونها لباساً لهم، قام باحضار عدد كبير منها بغرض المتاجرة، ويلاحظ الآن ان الشمغ صناعه انجليزية فى الأساس !!. وبقدرة قادر تحولت تلك السفر الى رمز وطني لما يلبس عند بعض الدول العربية؟ آفآآآ أجل كل هالكشخة والترزز كل هالسنين وآخرتها صماط). وبحسب الدرس الثقافي فإن هذا النص الملتبس بنصوص التأريخ - وكأنه منها - لا يمكن أن يؤخذ على كونه صحيحاً أو خاطئاً، وإنما هو مفعم بالدلالات والشفرات السيميائية التي تضرب في عمق الهوية الثقافية والاجتماعية للعرب في العصر الحديث، هذا النص يقدم رسالة واضحة على أن العرب لا يملكون شيئاً يذكر حتى يتباهوا به، ومثال ذلك أن ما يعتزون به من أمر الشُمُغ واللباس لم يكن من صناعتهم، بل من صنع الإنجليز، وليس هذا بل أمعن النص في الاسقاط وجعل أصله صماطاً لوضع الطعام، وهذا النص يمعن في خلق صورة نمطية للشخصية العربية المهانة المغلوبة على أمرها، وانظر إلى أشكال الاذلال والاهانة : العربي يخدم عند الإنجليز.. الإنجليز يشفقون على العربي فيكرمونه بصماط الطعام ليقيه حر الشمس.. العرب الآخرون يعجبون بهذا الصماط وتكون فرصة استثمارية للإنجليزي فيستورد منها ويبيع على العرب.. العرب يرون فيه هوية وطنية وثقافية تميزهم عن غيرهم. إلا أن النص يقول إن الإنجليز هم من وهبوكم هذه الوطنية والرمزية الثقافية. بطبيعة الأمر فإن هذا النص يأتينا وقد تشبعت العقلية العربية والبدوية - على وجه الخصوص - بثقافة الشماغ، وما يحمله من رمزية الرجولة لدرجة أن شماغ العربي صار مقترناً بفكرة الشرف، فلا هو يرضى أن يسقط شماغه عن رأسه، ولو سقط فإنه يقول : (أفا! طاح الشرف)! ويأتينا وقد صار الشماغ لباساً معتبراً وله ماركات وأسعار ذات قيمة عالية، ويحمل رمزية الأناقة والذوق عند السعوديين والخليجيين، كما أنه لدى العرب في الشام و فلسطين يحمل رمزية المقاومة ومحاربة اليهودي الذي احتل الأراضي المقدسة، وهذا النوع من اللباس هو مقاومة انثربولوجية وإنسانية للحفاظ على نوع من الهوية العربية وكرامتها. ولو قارنت هذا النص مع ما قيل من نصوص ثقافية أيام العهود العباسية لربما لم يخالجك الشك في أنه نص شعوبي مفبرك محكم البنية والدلالة. وبغض النظر عمن أنتج هذا النص سواءً كان عربياً أم فارسياً أم يهودياً أم غربياً، فإنه مليء بالدلالات والأسئلة، ومهما استنقص من قيمة الرأس العربي وكرامته إلا أنه يقول له : أين أنت؟ @saldhamer