كانت المرأة ولا تزال هي صانعة الطقوس، والطقوس باختلاف أبعادها الزمنية المرتبطة بالأساطير القديمة والحكايات الشعبية لم تجد لها مكاناً آمناً للحفظ والتوثيق سوى ذاكرة النساء وخاصة الجدات وكبيرات السن في سردهن للحكايات أو في أعمالهن الموسمية المرتبطة بأزمنة الفرح والحداد والسفر والحصاد والموالد وغيرها. ونساء القرن الحادي والعشرين لن يختلفن كثيراً عن النساء السابقات، وما زلن يصنعن الطقوس وينتجن الحركة والإيماءة مع كل مناسبة سعيدة في حياتهن. لم تكلف المرأة نفسها لتسأل: لماذا أعمل الطقوس؟ لماذا نمارس هذه المظاهر والحركات المصاحبة للاحتفالات والمناسبات؟ والسبب أنها تصنع مناسباتها بوعي الضمير الجمعي وليس بسؤال الفرد المفكر، ولذلك فهي عندما تخطط للتحضير لمناسبة الزواج فإن كل لحظة وفكرة مرتبطة بعدد من النساء اللاتي في رأسها، وتتأمل كيف سيتلقين هذه المناسبة ويغبطنها عليها؟ إن المرأة بوصفها صانعة للنظام الطقسي الاجتماعي تدرك قيمة كونها امرأة، وتحتفل بنسويتها احتفالاً لم تنظر فيه لأي عرف من أعراف العادات أو العبادات أو الهوية أو التاريخ، ولكن بما تمليه عليها اللحظة، وبما يؤهلها بالاحتفاظ بجنسها ونوعها، من خلال التفكير الأسطوري الذي يتغلغل في جيناتها وعوالمها البدائية، ومن خلال دعم وتواطؤ الضمير الجمعي النسوي. وصناعة الكوشة تعد من أهم مظاهر الاحتفالات النسوية، فهي تحرص على وضع الكوشة في ليلة زفافها بوصفها ملكة الحفل، وسيدة المناسبة، ومهوى نظر جميع النسوة المدعوات، وليست الكوشة مجرد مظهر جمالي وقبة تتجمل تحتها العروس، بل إن ما يصاحب احتفالات الكوشة من زفة، وايقاعات موسيقية، وخطوات على المسرح، وتقنية في الإضاءة والألوان، وبخار وبالونات المناسبة يجعل منها طقساً احتفالياً، هو أشبه بطقس عبور للبنت تعبر فيها من عالم الفتيات إلى عالم الناضجات وأمهات المستقبل، وتتفنن البنات المقبلات إلى عالم الزواج في ابتكار أجمل وأروع كوشة مهما كلفها من المبالغ المادية التي تصل لعشرات الآلاف من الريالات. وليس أمر الكوشة يقتصر على ليلة الفرح فقط، بل إن النساء مدعوات لرؤية كوشة جديدة عندما تضع تلك العروسة مولودها الأول، فيأتين لزيارتها وحمد الله على سلامتها وهي تحت هذه الكوشة، ويقطفن من الأزهار أو الشوكولاتة المعلقة بوصفها هدية المولود، ولربما كلفت هدايا الكوشة آلاف الريالات عدا سعر الكوشة الأصلي، وفستان الولادة الجديد، وليس هذا نهاية المطاف، بل تبدأ طقوس الولادة مع اليوم السابع حيث يعملن احتفالاً بالمولود ويضعنه في سلة من القصب، مع إشعال بعض الشموع المصاحبة للموسيقى ورمي النقود والمكسرات، والخطير في الأمر أنهن يضعن المولود على الأرض ويقمن بالدوران حوله تارة، أو القفز عليه واحدة تلو الأخرى وهن يضحكن ويستمتعن بهذه المناسبة. إن المرأة بوصفها صانعة للنظام الطقسي الاجتماعي تدرك قيمة كونها امرأة، وتحتفل بنسويتها احتفالاً لم تنظر فيه لأي عرف من أعراف العادات أو العبادات أو الهوية أو التاريخ، ولكن بما تمليه عليها اللحظة، وبما يؤهلها بالاحتفاظ بجنسها ونوعها، من خلال التفكير الأسطوري الذي يتغلغل في جيناتها وعوالمها البدائية، ومن خلال دعم وتواطؤ الضمير الجمعي النسوي، في احتفالات ومناسبات باذخة تعيد للأذهان تاريخ الترف وعالم الحريم، وأعياد باخوس، وثقافة ألف ليلة وليلة، واحتفالات الخلفاء بنسائهن وجواريهن. وهذا النظام/ المزيج بين التاريخ القديم والجديد لعوالم الفرح الطقسي للمرأة هل يجعلها تشكل رؤية ثقافية ناهضة للمجتمع أبناءً وأزواجاً ومؤسسات؟ أم أنها ستقصر رؤيتها على أن تكون المترفة المنعمة نؤوم الضحى، ويظل الرجل هو الذي يخرج للصيد والتعب ويرجع آخر النهار ليقدم لها نتيجة كده وتعبه؟ @saldhamer