تلك قبورهم بلا أكفان سكنوها ، يسيرون عراةً في جوفها يتأبطون أوراقهم وقد انتزعت عوراتهم من أجسادهم تشرئب أعناقهم ، تتلصص عيونهم على المارة يسيرون إلى أعمالهم تتعثر مشيتهم ؛ فيقفون تحت المظلة المتهالكة ، وسرعان ما يتدافعون ؛ ليحشروا داخل الحافلة العرجاء ، ينفثون ضجرهم ، لكن ناظر المحطة يقرّ أن العجلَ مازال صالحًا . تشرئب أعناقُهم أطول لتقعَ عيونُهم على الجمع المتقاتل أمام باب الفرن الموارب بالأيدي والأرجل وأحيانًا بالرؤوس ما بين جذب ولطم وركل ونطح ، تتمزع الأرغفةُ ؛ فينال بعضهُم ربعًا أو نِِصْفًا وأحيانا ثلاثة أرباع ، يقبضون على أشلائها يسير كلٌ إلى داره يغلقه دونَه بإحكام . تتقلصُ أعناقُهم فتنخفض رؤوسهم تشدها أجسادُهم إلى القاع المظلم ، يتمددون ، تتجول الهوام والدواب فوقَهم ، تتشممهم فلا تحرك لهم ساكنًا تقضي حاجتها بين ثناياهم ثم تمرحُ بين أوراقِهم تقرضها الواحدةَ تلو الأخرى ، وما لم تقو على قرضها تركتها بثقوبٍ شائهةٍ ترقبها عيونهم يحلمون بقوارب النجاة ، فتقذف بهم في قاع البحر يكفنهم مِلْحه بينما تطفو أوراقهم على سطحه يندفع الماءُ خلال ثقوبها .