اكتب من تكرههم على ورقة بيضاء من غير سوء.. اكتبهم واحداً واحداً في صف أفقي واحد، واكتب ما تكرهه على أخرى.. الأولى تحمل أسماء أشخاص بأعيانهم.. سواء كانوا معاصرين أو كانوا هناك في فيافي التاريخ.. والأخرى تحمل اسماء مذاهب ومفاهيم لم تكن لك يد في نشوئها ولا في وصولها إليك.. وبعد أن تكتب الورقتين توجه إلى نفسك بالسؤال الأبيض التالي: لماذا أكره هؤلاء الأشخاص بالذات؟ ولماذا أستنكر تلك المذاهب والمفاهيم؟ «لماذا» هذه تطلب منك التعليل.. تطلب منك إيضاح السبب لهذا الكره أو الاستنكار.. غير أن التعليل نفسه يمكن أن يصاغ بطرق مختلفة.. يمكن أن تصوغه العاطفة أو الرغبة فيكون واهناً لا تحمله قدماه ويمكن أن يصاغ مليئاً بالضوء الموصل إلى القناعة. أنا أكره «س» لماذا ألأنه طويل القامة عريض المنكبين؟ أم لأنه يقيم بينك وبينه صحراء من الغموض الشائك؟ أم لأنه ثقيل الدم؟ أنا شخصياً لا أنفي تأثير مثل هذه الأسباب فهي تؤثر على كثيرين وأنا منهم.. فليس عندي قدرة على سفر مع ثقيل دم – مثلاً – ولكنها في الحقيقة وأمام التحليل الموضوعي لا تكون أسباباً على الإطلاق. العداء بين الأشخاص له علاقته السببية بالمفاهيم والقيم والمذاهب أكثر من أي شيء آخر.. لذا فعلي عند السؤال لماذا استنكر هذا المذهب او ذاك علي: اولا تحديد اللحظة التاريخية التي ولد فيها هذا المذهب وما هي التربة الاجتماعية التي نشأ وترعرع فيها؟ وبأي لغة تمت صياغته إذ لكل زمن لغته فشجرة اللغة تغير أوراقها بسرعة نمو المعرفة في هذا المجتمع أو ذاك. بعد هذا تسأل.. عبر الأجيال: هل تغيرت قراءة هذا المذهب أم بقي ذا فهم واحد عند جميع الاجيال؟ لا أعتقد مطلقا أن مذهباً ما بقي طوال تاريخه وهو يعطي فهماً واحداً وقراءةً واحدةً.. إن هذا مستحيل لأن البيئات متغيرة والمعرفة متطورة.. وإذن يأتي السؤال الحاسم: أية قراءة أتبعها؟ وأية أخرى يتبعها هذا الذي استنكر اعتقاده وفهمه وقناعته؟.. وهل نزلت الشمس والقمر يشهدان أني أنا على الحق وهو على الباطل؟ أما ثانياً وثالثاً ورابعاً فلها موقف آخر...