النيل هو أحد أطول أنهار العالم ، وشريان الحياة لتسع دول هى من الأشد فقراً فى العالم بحسب تقارير التنمية البشرية، نهر النيل الذى يبدأ عند أثيوبيا ويأخذ طريقه بين أوغندا وكينيا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية وبورندى ورواندا والسودان وينتهى بدولة المصب وهى مصر ، هكذا كانت تقول الخرائط السياسية حتى الآن، لكنها أخذت الآن فى التغيير بعد أن أضيفت لدول الحوض دولة ممر جديدة هى السودان الجنوبى فى اعقاب اعلان الانفصال إلى سودانين أصبح لكل منهما حصته فى المياه التى لم تعلن بعد. صورة من المصدر تبلغ مساحة الحوض نحو 2،900،000 كلم، وتتعدد الروافد التى تغذى النيل الأبيض والنيل الأزرق مثل بحر العرب نهر الدندر والرهد والسوباط وعطبرة، وتعتبر كل من مصر والسودان من أكبر الدول التى تعتمد على مياه النهر كمصدر رئيسى للمياه فيها وتقدر ب 85 % ، وهو ما يجعل كلا من أثيوبيا وأوغندا من أهم دول المصدر لتلك المياة، حيث إن أثيوبيا هى المنبع فى حين أن أوغندا التى تمد مصر بالماء عبر بحيرة فيكتويا بحوالى 13 % وهو ما يجعل كلتا الدولتين تحتلان أولوية السياسة الخارجية المصرية باتجاه أفريقيا. واللتان تشكلان أيضاً رأس الأزمة فى تلك السياسة التى تعمدان فيها مع 4 دول أخرى إلى تقليص حصة مياه مصر من المياه. وقدم الدكتور «محمد سلمان» الأكاديمى الخبير فى شئون المياه فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تقريرا عن الكمية الكلية لمياه النيل تقدر بحوالى (1.66) مليار متر مكعب من المياه يأتى منها ما يعادل 85% من الهضبة الأثيوبية ونسبة 15% منها يأتى من بحيرة فكتوريا كما تفيد الإحصائية أن ما نسبته 5% فقط من المياه هو الذى يصل إلى السودان ومصر حيث تتقاسم كل من مصر والسودان نسبة 5% بواقع 65% لمصر أى ما يعادل 55.5 مليار متر مكعب و 35% للسودان أى ما يعادل 18.5 مليون متر مكعب أما بقية دول حوض النيل فتتقاسم الحصص بينها بنسبة 3% لأثيوبيا و 3% لبورندى و2% لكل من كينيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا والكنغو الديمقراطية وأن 60% من مياه نهر النيل تضيع بسبب التبخر وأن مياه نهر النيل المستفاد منها فى الأنشطة الزراعية وتوليد الكهرباء والأنشطة الاقتصادية الأخرى تقدر بحوالي 40% وهذه الكمية تساوى أقل من نصف المياه الكلية لنهر النيل وتشير الإحصائية إن الغالبية من دول المنبع لحوض نهر النيل لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه نتيجة لمحدودية وضعف أنشطتها الاقتصادية وأن الحصص التى تستهلكها حاليا تكفيها على المديين القريب والمتوسط. قبل أسبوعين اثير فى الاوساط السياسية والدبلوماسية أزمة جديدة تجلت فى قيام بورندى بالتوقيع على الاتفاقية الاطارية، لتصب تلك الانباء المزيد من الزيت على النار كما تعاملت مع ذلك الاوساط الدبلوماسية المصرية والسودانية الى حد ما خاصة فى ظل الاوضاع السياسية الراهنة التى تمر بها مصر تحديدا والتى شكلت خلال الاعوام الخمسة الاخيرة احدى بوابات الازمات فى فشل السياسة الخارجية المصرية والتى كانت من الرصيد السلبي لأداء وزارة الخارجية المصرية فى عهد النظام المصرى السابق . لكن بحسب المستشار القانونى للملف ودبلوماسيين فإن مصر تدرس الموقف القانونى للرد على تلك التطورات . وقد قال الدكتور «عمرو حمزاوى» أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن قيام بورندى بالتوقيع على الاتفاق الاطارى «اتفاق عنتيبى» يمثل خطوة شديدة الخطورة ، مشيراً إلى أن كلا من مصر والسودان تعيشان لحظات فارقة بسبب تقسيم السودان ونفس الحال لمصر بسبب الانتقال والتحول للديمقراطية، مرجعاً توقيع بورندى لفشل السياسة الخارجية والإقليمية الفاعلة لمصر فى الفترة السابقة. ويقول حمزاوى فى تعقيب اعلامى على تلك الأنباء التى حملت توقيع بورندى كأحد أسوأ الأخبار التى تناقلتها وسائل الإعلام لمصر فى الأسابيع الاخيرة حيث لم يتعاف النظام الاقتصادى الذى يمر بأحرج ظروفه. ويضيف حمزاوى: إن التحدى الكبير الآن هو كيفية الدفاع عن مصالح مصر وأمنها القومى من جميع الجوانب، مبديا خوفه من استغلال قوى أخرى لتمرير مصالحها على حساب المصالح المصرية فى ظل انشغال الجيش المصرى بالشأن الداخلي. وتمثل الازمة الراهنة بعد ذلك التوقيع استقطاع 15مليارا من حصة مصر، والذى سيكون محل تفاوض بين الدول وعدد من المنظمات الدولية والقوى الكبرى التى ستمدهم بالعديد من الأموال، مضيفا أن الاتفاقيات الدولية تنص على عدم الإضرار بالمصالح المصرية ولكن تم تصوير إما اختصار الحصة المصرية أو عدم حصول هذه الدول على موارد مائية إضافية رغم وجود هدر كبير فى مياه النيل. مشروع الاتفاق بين دول الحوض لم يكتمل بناؤه قال «سيف اليزل»، الذى وقع والده الدبلوماسى المصرى المخضرم اتفاقية عام 1959 التى كرست لمصر حصتها الحالية والتى لم تطلب مزيدا منها ، ان هذا كان عاملا أطمع هذه الدول، مطالباً بدخول جنوب أفريقيا والصين بسبب تواجدهما بفاعلية فى أفريقيا كطرف ثالث مساعد فى الحوار مع دول حوض النيل مستبعدا دول الاتحاد الأوروبى بسبب مساعدة بعض الدول فى بناء سدود فى أثيوبيا. وطالب سيف اليزل بضرورة توجيه الجهود الدبلوماسية واللجوء إلى التفاوض بشكل مجمع أو منفرد رافضا فكرة الحلول المؤقتة وفى حالة عدم الوصول لحل سيكون هو اللجوء للمحكمة الدولية أو الأممالمتحدة لتحصل مصر على حصتها من مياه النيل. وعلى الرغم من مطالبات سابقة بانشاء هيئة قومية فى مصر للتعامل مع الملف تشارك فيها الهيئات الفنية المائية فى وزارة الزراعة والرى ثم من هيئة الامن القومى ، والخارجية المصرية ، لكن هذا الاقتراح الذى طالب به المجلس المصرى للشئون الخارجية وإن لقي قبولا لكنه لم يلق تنفيذا حتى الآن. ومن جانبه حدد المستشار القانونى للملف المصرى الدكتور محمد سامح عمرو 7 مشكلات تعرقل تنفيذ دول المنبع الاتفاق الاطارى بدون مصر والسودان . وهى عدم اكتمال الاتفاق بين دول الحوض، فمشروع الاتفاق لم يكتمل بناؤه القانونى بشكل نهائى فلا تزال هناك بعض النقاط العالقة وعلى رأسها المادة (14- ب) التى لم يتم الاتفاق على مضمونها وكيفية ادراجها فى الاتفاق . خاصة مع رفض دول المنبع صيغة مصرية سودانية لتلك المادة الخاصة بحقوق مصر المكتسبة فى النهر وفقا للاتفاقيات الدولية السابقة . وكذلك خلاف في الآراء حيث إن اللجان القانونية كانت قد اتفقت منذ بداية الاجتماعات على اتباع قاعدة 'توافق الآراء' وليس قاعدة 'الأغلبية' لتبني القرارات بما يعنى عدم اعتراض أى دولة على مشروعات القرارات قبل تبنيها. ويعد اللجوء إلى قاعدة تبني القرارات ب' توافق الآراء' قاعدة أساسية تتمسك بها دول المنبع بالنسبة لأى اتفاق دولي بدعوى الأمن القومي للدول. كما أن هناك مخالفة صريحة فى تصرف الدول فى التوقيع على الاتفاقية حيث يعد قيام دول المنابع بالدعوة لفتح باب التوقيع على الاتفاق قبل تحقق توافق الآراء وقيام بعضها بالتوقيع منفردة هو مخالفة صريحة للقواعد الإجرائية المتفق عليها. فضلاً عن غياب فى النص القانونى الخاص بمصر وحقوقها المكتسبة وفقا للاتفاقيات الدولية المستقرة، وغياب فى وجود نص رابط يحكم العلاقة بين الدول بناء على قاعدة التوزيع العادل من جهة وعدم الاضرار من جهة أخرى ولا يحدان علاقتهما ببعض . ويؤكد الدكتور عمرو على أن هناك مبادىء دولية مستقرة لاثبات حقوق مصر فى التمسك بموقفها الذى يقضى بعدم الاخلال بحصتها القائمة فى مياه النيل، تتجلى منها فى المبادىء الدولية العامة ، حيث ان رابطة القانون الدولى وضعت قواعد هلسنكى المادة 66 الفقرة 3 تتكلم عن مبادىء الاستخدام العادل ، والاخطار المسبق، بالاضافة الى قواعد برلين . واتقاقية الاممالمتحدة عام 97 . وكلها تنص على الاستخدام العادل للمياه وعدم الاضرار ومبادىء التشاور والاخطار المسبق ، لكن فى الحقيقة أن دول المنبع تخشى اتفاقية الاممالمتحدة المشكلة عام 97 وقلقة منها، وهو واضح من أن الاتفاق الاطارى حمل اشارات لمعظم الاتفاقيات الدولية ، باستثناء الاشارة للمادة 3 من اتفاقية الاممالمتحدة التى تؤكد على المشاورات المسبقة وباتفاق خاص على حدة فى كل مسألة.