إن شائعات السوء عن شؤون الوطن وسير أعماله، وأهدافه للصالح العام وإصلاحاته، ومقاصد رجاله لا تقل ضرراً على كيان الوطن وسلامته من التجسس للعدو على أسراره، ومواطن قوته وضعفه؛ بل إن شائعة السوء قد تكون أضر على الأوطان من مكر الأعداء الظاهر. وإن من أشد ما يوالي به من يكيد للوطن من أعدائه هو ترويج شائعات السوء والإصغاء إليها، وحال هؤلاء المفسدين لا يقل ضررا عن حال المرجفين والمنافقين في زمن رسول الله الذين قال الله تعالى فيهم : (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) ولا يعذر هؤلاء بدعوى حسن النية حتى ولو ثبت حسنها لأن ما يقومون به وسيلة غير مشروعة فالنصيحة المشروعة غير الضجيج والإذاعة والإشاعة والمعاندة وتخذيل الناس عن أئمتهم وولاة أمرهم، وإشاعة السوء عن برامجهم وخططهم للصالح العام، فهذا مرض في القلوب كما وصفه الله عز وجل وعلى من يصاب بهذا المرض أن يعالج نفسه قبل أن يعالج بأحكام الله. لنعلم أن عمل هؤلاء ليس عملا صالحا وإن زعموا ذلك ولا يحقق خيرا بل يحقق غرضا واحدا، وغاية واحدة، هي تمزيق الشمل، وتشتيت الجمع، وتفريق الكلمة، وإشاعة الكراهية بين الحاكم والمحكوم، وإلقاء العداوة بين المؤتمين والمأموم، وهم بهذا يعملون للفتنة ومن أجلها، فإذا ما تحققت غايتهم فإن الفتنة لا تصيبهم وحدهم، ولا تصيب طائفة دون أخرى، وإنما تصيب الوطن بأسره وفي مثل هؤلاء أيضاً ورد قول الله سبحانه : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا). أي أفشوه حيث لا يكون من المصلحة العامة إذاعته وإفشاؤه، وقد يكون ما يذيعونه كذباً ومضراً بالمصلحة العامة، فيكون ذلك من الإثم المزدوج الذي طهر الله قلوب المؤمنين منه. واللائق بالمسلمين إذا سمعوا قالة السوء أن يكونوا كما أراد الله للمسلمين في قوله عز وجل : (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) إلى قوله سبحانه : (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ). لقد كانت أول فتنة في الإسلام، هي الجرأة على خليفة رسول الله وصهره عثمان كان منشؤها شائعاتِ السوءِ الكاذبةَ، وتضليلَ البسطاء وضعاف الأحلام، فجرّ ذلك على الأمة من الضرر ما لم تتوصل إلى مثله الدول المعادية بما لديها من جحافل وقوات حربية. وفي الليلة الأخير ة قبل نشوب حرب الجمل توصل أصحاب رسول الله من الفريقين إلى التفاهم على ما يرضي الله عز وجل من إقامة الحدود الشرعية على من يثبت عليه أن له يداً في مقتل أمير المؤمنين عثمان، وبات أبناء كل فريق في معسكر الفريق الآخر بأنعم ليلة وأسعدها وأرضاها لله، فما كان من القتلة والمفسدين إلا أن أنشبوا القتال في الصباح الباكر، وأشاعوا في كل معسكر من المعسكرين بأن المعسكر الثاني هو المهاجم له على خلاف ما اتفقوا عليه بالأمس، وبذلك كانت الشائعات بين الطرفين أفتك بهما، وأضرّ على الإسلام من أسلحة البغاة الفاتكة. إن شائعات السوء سلاح العدو، والذي يصغي إليها يُمَكِّن العدو من الفتك بوطنه وأمته، ويفتح له أعظم حصون الأوطان بأيسر الطرق ويزعزع استقرار البلاد ويدفع بعجلة الخير والإصلاح للإبطاء والتعثر والتوقف. ولنعلم أن عمل هؤلاء ليس عملا صالحا وإن زعموا ذلك ولا يحقق خيرا بل يحقق غرضا واحدا، وغاية واحدة، هي تمزيق الشمل، وتشتيت الجمع، وتفريق الكلمة، وإشاعة الكراهية بين الحاكم والمحكوم، وإلقاء العداوة بين المؤتمين والمأموم، وهم بهذا يعملون للفتنة ومن أجلها، فإذا ما تحققت غايتهم فإن الفتنة لا تصيبهم وحدهم، ولا تصيب طائفة دون أخرى، وإنما تصيب الوطن بأسره وحينها لن ينفع هؤلاء ومن أصغى لهم ندم ولا عذر. [email protected]