قبل أيام على موعد سريان اقتطاعات هائلة في النفقات، بدا أعضاء الكونجرس الأميركي اكثر انقساما، إذ يتبادل الديموقراطيون الذين ينتمي اليهم الرئيس باراك أوباما وخصومهم الجمهوريون الاتهامات بالمسؤولية عن الوضع. ويقر الجميع تقريبا بأن الاقتطاعات التلقائية التي تبلغ 85 مليارا وتعرف باسم “الحجز المالي” ستوجه ضربة أليمة الى الاقتصاد. وكانت الاقتطاعات التلقائية في الأول من مارس التي اتفق عليها في محادثات الميزانية الشاقة في 2011 نقطة مساومة هدفها الضغط من اجل اتفاق على بديل اقل صعوبة. لكن حتى الأحد لم يبد أي مؤشر على اختراق. ونشر البيت الأبيض تقريرا مفصلا حسب الولايات حول عواقب الاقتطاعات التلقائية في الميزانية التي ستطبق الجمعة في حال فشل المشرعون المنقسمون الى حد كبير في إبرام اتفاق في اللحظة الأخيرة. وقال كبير مستشاري البيت الأبيض دان فايفر للصحفيين في مؤتمر هاتفي الأحد ان الاقتطاعات “ستسري لان الجمهوريين قرروا ذلك”. وتابع “بقليل من التسوية والمنطق يمكن حل” هذه المشكلة. ونشر البيت الأبيض تفاصيل عواقب الاقتطاعات في كل ولاية بما فيها تسريح آلاف المدرسين واقتطاعات من رواتب موظفي الدفاع المدني وفي الأبحاث الطبية والحد من عمليات التفتيش الغذائي وزيادة التأخير في الرحلات في المطارات الكبرى. وسيشكل التراجع الحاد في النفقات العامة عقبة إضافية في الانتعاش الاقتصادي حيث قدر مكتب الكونجرس للميزانية ان الحجز المالي سيزيل 0,6 بالمائة من النمو المتوقع لعام 2013. وقدر مركز ابحاث بايبارتيزان بوليسي سنتر في واشنطن أن عدد الوظائف المنشأة سيتراجع مليون وظيفة في حال سريان الحجز المالي. واكد المحلل الاقتصادي في البيت الأبيض جيسن فورمان ان اوباما ورئيس الأكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد سيواصلان الضغط من اجل اتفاق “بمقاربة متوازنة” قد يحل الأزمة الأخيرة ويكسب الوقت لإبرام اتفاق دائم. واتهم السيناتور الجمهوري جون ماكين الرئيس والديموقراطيين بالفشل في إجراء محادثات جدية حول تسوية. وقال “لن أوجه اللوم كاملا الى رئيس الولايات المتحدة”. لكنه أضاف انه “على الرئيس أن يدعونا الى مكان ما كي نجلس لمحاولة تجنب هذه الاقتطاعات”. ورحب الجمهوريون بمبدأ الاقتطاعات علما بأنهم يفضلون الحد من اتساع الحكومة لكنهم طالبوا بمزيد من المرونة وابدوا معارضة خصوصا أن “الحجز المالي” يطال ميزانية الدفاع اكثر من غيرها. ويوظف البنتاجون حوالى 800 ألف مدني قد يتم منحهم إجازات مطولة، وينفق عشرات مليارات الدولارات على متعاقدين مدنيين. وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايك رودجرز “لدينا عمليات استخباراتية قد تتباطأ أو تتوقف. هذه مشكلة”. وناقش ديموقراطيو مجلس الشيوخ خطة لإغلاق ثغرات ضريبية يستفيد منها الأغنياء كطريقة لتقليص العجز. لكن الجمهوريين الذين قبلوا على مضض بزيادة ضريبية على الأثرياء في أثناء نقاشات “الهاوية الضريبية” في فترة رأس السنة يعارضون أي ضرائب إضافية. وبات بعض الجمهوريين يعتبر الحجز المالي الطريقة الوحيدة للحصول على موافقة الرئيس على اقتطاعات في النفقات معتبرين أن تصريحات حملة اوباما حول “مقاربة متوازنة” للميزانية كانت تعني مزيدا من الضرائب والإنفاق ليس إلا. وقال السيناتور الجمهوري توم كوبرن لبرنامج “فوكس نيوز الأحد” ان “الأزمة مختلقة. تم اختراعها” وذلك ردا على سؤال حول الحجز المالي. وتابع “لم أؤيد الحجز المالي لأنه طريقة غبية للحد من النفقات ولم أؤيد رفع سقف الدين لأنه ليس هناك سقف للدين في هذه البلاد لأننا نزيده دوما”. وأضاف كوبرن “لكن الواقع هو انه لدينا أطنان بمئات مليارات الدولارات من السمنة والمخلفات والفائض في الحكومة الفدرالية. وعلينا أن نقرر اقتطاع بعض منها”. من ناحية اخرى توقع محللون أن يتأثر الاقتصاد الأميركي هذه السنة بخفض مرجح للموازنة، واحتمال نشوب خلافات سياسية حول الإجراءات المالية، ليبقى مستوى النمو منخفضاً عند 2.4 بالمائة. وأشارت الرابطة الوطنية لاقتصادات الأعمال إلى أن أكثر من 95 بالمائة من 49 اقتصادياً شملهم أحدث استطلاع فصلي يعتقد أن الخطوات أو المخاوف الخاصة بالسياسة المالية ستقلص الناتج المحلي الإجمالي. وأبدى أكثر من نصف المشمولين في المسح اعتقاده أن الغموض الذي يكتنف السياسة المالية سيقلص الناتج المحلي بأقل من 0.5 بالمائة من معدل النمو، بينما توقع الثلث أن يتقلص معدل النمو ما بين 0.5 وواحد بالمائة، بينما توقع 13 بالمائة فقط تأثيراً أكبر. وستبدأ الحكومة تنفيذ الكثير من القرارات المهمة المتعلقة بسياسة الموازنة، ففي الأول من مارس المقبل يبدأ سريان خفوضات تلقائية للإنفاق تصل إلى 85 بليون دولار ما لم يتحرك الكونغرس لوقفها، وفي نهاية الشهر ذاته ينتهي العمل بتشريع يمول أنشطة الحكومة، كما ينتهي في 19 مايو العمل بتشريع منفصل يسمح للحكومة بزيادة الدين لتسديد التزاماتها المالية. وتوقع حوالى 60 بالمائة من المحللين أن تسري الخفوضات الآلية للموازنة في موعدها سواء في شكل كلي أو جزئي، بينما توقع أكثر من 25 في المئة تأجيلها، و14 في المئة فقط، ألا تسري على الإطلاق. ويُرجح أن تقود إجراءات التقشف إلى خفض العجز الاتحادي إلى 900 بليون دولار هذه السنة و761 بليوناً عام 2014، مقارنة ب1.09 تريليون دولار العام الماضي.