دخلت إلى أحد محلات بيع القهوة العربية باحثاً عن نوع جيد من الزعفران الإيراني ، ووسط ترددي بجودة النوع الذي أقلبه في يدي داهمني البائع بقوله : ( لا تتردد .. هذا النوع ممتاز وسوف ينال استحسانك ، وإذا لم يعجبك أرجعه وخذ المبلغ الذي دفعته ) ، ذهلت حينها من شخصية الرجل المقنعة التي جعلتني اشتري الزعفران بقلب مطمئن .. لقد استطاع هذا البائع أن يبيع سلعته ويحقق أهدافه عن طريق شخصيته المقنعة ، وهذه الكاريزما المقنعة كان خلفها مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها الثقة بالنفس ، فالشخص الذي يفتقد الثقة لا يمكن أن يكون مقنعاً ، وبالتالي لم يكن بحاجة لعدد كبير من الكلمات والحيل ليقنعني بسلعته ، ومن العوامل المهمة التي اتكأ عليها هذا «المقنع» الصدق ، فالكاذب لا يمكن أن يكون مقنعاً ، والناس يستسلمون لمن يبسط صدقه لهم ويربط علاقته بهم من غير أكاذيب ، فنحن دائماً ما نشكك في تسويق البائعين لأن المصداقية بهم تضيع في استصحابنا لبحثهم عن مصالحهم على حسابنا ، وبذلك تكون أضلاع المثلث الأول للإقناع هي ( الثقة والصدق والحرص على مصلحة الطرفين ) . لقد استطاع هذا البائع أن يبيع سلعته ويحقق أهدافه عن طريق شخصيته المقنعة ، وهذه الكاريزما المقنعة كان خلفها مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها الثقة بالنفس ، فالشخص الذي يفتقد الثقة لا يمكن أن يكون مقنعاً ، وبالتالي لم يكن بحاجة لعدد كبير من الكلمات والحيل ليقنعني بسلعته ، ومن العوامل المهمة التي اتكأ عليها هذا «المقنع» الصدق واللحظات الأولى التي تجمعك بالآخرين مهمة جداً في تكوين الانطباع الأول ، فالناس ينظرون حتى إلى ملابسك ويقيمونك عليها ويحاولون قراءة المبادئ التي تحملها من خلال ملابسك التي ترتديها ، ولك أن تعجب حتى عند الإشارات الضوئية الخضراء عندما تتأخر السيارات في الحركة يختلف صوت المنبه إذا ما كانت السيارة المتأخرة في التحرك فارهة أو متواضعة ! ، ومن أجل ذلك علينا الاهتمام كثيراً في لحظات اللقاء الأول لأنه يدوم طويلاً . والشخصية المقنعة قارئة جيدة للشخصيات التي أمامها ، فلا تستعجل بالحديث حتى تستمع لمن أمامها ، فالأسلوب الذي يقنع زيداً لا يناسب عمرو ، وحتى تقنع الأشخاص خاطبهم باللغة التي يحبونها ويفهمونها جيداً ، واربط حبلاً من المودة بينك وبين الناس ، وهذا عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه عليّ حتى ظننت أني خير القوم . وثقة «المقنع» بنفسه تجعله لا يتردد في الاعتراف بالأخطاء والقصور ، وينطلق في حديثه من تفاعله مع الأشخاص الذين يتحدث معهم لا من ذاته ، فيشعرون أنه يتحدث لأجلهم لا من أجل نفسه على حسابهم ، ولذلك فشل عدد كبير من المسؤولين والمتحدثين الرسميين في إقناع الناس ، لأنهم ينحازون لأهواء إداراتهم ويترددون كثيراً في الاعتراف الكامل بنقاط القصور ، فيفقدون ثقة الناس بهم لأن الناس تفكر بدوافع الكلام قبل تفاصيل الكلام ، وإذا كنت تدافع على الدوام فأنت متهم على الدوام ، وبات أفضل المتحدثين الرسميين عند الناس الذي لا يكذب ولكنه لا يقول الحقيقة كاملة .