حدثٌ ما ، إشارة ما ، إحساس ما، تلك أمورٌ تفصل بيننا وبين الصدق والكذب على أنفسنا . كم من مرّةٍ حدّثك فيها قلبُك بحديثٍ خاص فما التفتّ إليه ؟ وكم من مرة كان صادقاً فكذَّبته ؟ نُكذب قلوبنا لدرجة يبدو لنا فيها صدقه صدمة لا نستطيع احتمالها ،ولكننا في الغالب ننصدم في وقت متأخر فلا نملك إزاء ذلك حيلة ما . ان علاقتنا بقلوبنا غريبة جداً وفيها كثير من التنكر لها بما لها من مزايا وما تقدمه لنا من إشارات وما فيها أحياناً من الإنقياد التام وفقدان السيطرة على الذات حتى أنك تشعر بأن قلبك متمكِّن من زِمامك يوجِّهك نحو ما تحبه وتقترب منه أو تكرهه فتعرِض عنه بِلا حولٍ منك ولا قوة . في رواية الخيمائي لباولو كويلو قال الحكيم :( أنصت لقلبك إنه يعرف كل شيء ) أنصت لقلبك في كل خطوة تخطوها ومع كل هاجس يتراءى لك . أنصت لقلبك ولا تعتقد أنه مكلَّف بمتابعتك ومراقبتك لو كنت عاشقاً فقط ، فأنت لو فعلت بخّستَه حقه . ودارت حول هذه العبارة عشرات المواقف كلّها تؤكد بأن القلب في كل حالاته صادقٌ ،ولكن المرء لا يُدرك ذلك الصدق ولا يفهمه بل ويخافه في كثير من الأحيان، ولهذا يبتعد عنه ويتحاشاه . هل تريد تأكيداً ؟ عُد إلى قلبك إلى تاريخه معك، وأعِد قراءة تحذيراته لك ؛ تلك التحذيرات التي لم تُحسِن الإنصات لها، ثم اكتشفت بعد حين بأن قلبك كان الناصحُ الأمين لك ،ولكنك لم تستجب له وأعرضت عنه، وكأنه كان يريد بك شرّاً ثم اكتشفت متأخراً أيضاً بأنه كان صادقاً لدرجةٍ لم تتمكنْ من استيعابها أهملت ما شار عليك به ،وأخذت بنصيحة قلوب الآخرين وهي لن تكون صادقة معك كما يصدق قلبك أنت . آثرت أن تمارس الكذب على نفسك بعد أن كذبت ناصحك فاتهمت قلبك بالخيانة حتى لا تتهم عقلك الذي اجتهد وقدم لك المبررات والبراهين على صدقة ليفوزَ بك ويبعدك عن قلبك ، نحن نحسب بعقولنا حسابات دقيقة لما نعتزم تنفيذه أو الإقدام عليه ونعتقد ان تلك الحسابات ستأخذ بيدنا إلى بَر الأمان وأثناء ذلك تُنادينا قلوبنا تحاول أن تمنعنا ولكننا نعرِض عنها ونمضي قُدُماً . أن تتصل بقلبك أمرٌ في غاية السهولة عندما تكون في مستوى قدرته على الصدق . وقد يكون الاتصال به ضربا من المُحال عندما تخونه مرة بعد أخرى وتُكذِّبه وتُشيح بعقلك عنه رافضاً الاستجابة ! عندها لاتعجب من كونكما غرباء في جسد واحدٍ فأنت تحمل قلبَك ولكنك لا تعرفُه وهو لا يعرفُك ،رغم أنه قادرٌ على تسْييرِكَ لو أذِنت له ! أنصت لقلبك عبارة نستطيع ان نكتب عنها - وما قد يترتب عليها - دائماً وأبداً ولن نتوقف فأحاديث القلوب كثيرة وتجاهلنا لها أكثر وما ترتب على ذلك أكثر وأكثر . أنصت لقلبك في كل خطوة تخطوها ومع كل هاجس يتراءى لك . أنصت لقلبك ولا تعتقد أنه مكلَّف بمتابعتك ومراقبتك لو كنت عاشقاً فقط ، فأنت لو فعلت بخّستَه حقه . قلبك أنت هو أنت في كل وقت وفي كل حال . هو صوتك منك لا يسمعه غيرك فاستمع إليه قبل أن تستمع لمن حولك .