يتداول «النقد» في مجتمعاتنا على أنه عصا غليظة من فئة «العجرا» تدق بها الرؤوس وتحطم من خلالها الأضلاع، وقد يتطور أحياناً إلى مجموعة من الذخائر الحية التي قد تصيب «المنتقَد» في مقتل، يرجع في معظمه على الأسلوب والآلية التي يوجه بها النقد، بينما «النقد» في جوهره هو هدية مجانية يقدمها لك الآخرون لتساهم في تطوير الأداء ومعالجة الأخطاء، فهو رديف «البناء» وشريكه ولا يمكن أن يزدهر بناء بلا نقد ولا معنى لنقد لا يكون بنّاءً، ولتُقبل رسالتك الناقدة فعليك أن ترسل معها حوافز الاستقبال وعرابين فتح الأبواب، فالنقد ليس معركة طاحنة تنتهي بهزيمة أحد الطرفين، فالنقد حالة من حالات التقويم الراقي لا تحمل بين طياتها الهجوم النقدي الذي يستهدف الإسقاط، وحتى تفتح مغاليق الآذان والعقول لقبول «النقد» فعليك بفتح أقفال القلوب التي تبتهج أبوابها لمن يطرقها بلطف ، فعندما تتوجه لشخص بالثناء عليه فيما يستحق ، وتتوجه بالنقد للفعل الذي صدر منه تكون معادلة النقد قد اكتملت أطراف قبولها، والمنطقة التي يُحظر فيها اصطحاب «النقد» هي منطقة «النيات» ، فالقلوب وأسرارها حبل ممدود بين العباد وخالقهم لا يحق لنا محاكمتها، وآلياتنا النقدية تتوجه إلى مربعات الفكر والسلوك فقط. لا يليق بالناقد أن يستغل «النقد» لتصفية الخصومات الخاصة، وسداد فواتير الانتقام، فليس من المروءة أن يغلف النقد بثياب الموضوعية، وبواعثه الحقيقية هي توفر فرصة سانحة للإساءة لا يمكن تفويتها وقد نتبرمج سلبياً أثناء ممارسة النقد على النظر في العيوب فقط دون توازن مع سياقات الزمان والمكان وباقي الإيجابيات، وهنا تحضرني قصة النبي عيسى عليه السلام حينما مر مع حوارييه على جثّة كلب متفسّخة ، فقال الحواريون : ما أنتن جيفة هذا الكلب ! فقال عيسى - عليه السلام - ( انظروا إلى أسنانه .. ما أشدّ بياضها ) ! وكأنه يرسل لأصحابه رسالة توازن حين النقد ، فالنقد مهمة شريفة لا تختزل في تلقط المعايب. لا يليق بالناقد أن يستغل «النقد» لتصفية الخصومات الخاصة، وسداد فواتير الانتقام، فليس من المروءة أن يغلف النقد بثياب الموضوعية، وبواعثه الحقيقية هي توفر فرصة سانحة للإساءة لا يمكن تفويتها، وكذلك الفرح بأخطاء الماضي البعيد التي تم تجاوزها، فالناقد المنصف لا يكرر حفلات أعياد النقد على أرشيف تم التخلص منه، وليس من العدل شمول «النقد» أسرة وأصحاب المنتقد، فالعدالة تقضي بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وبعض المنافقين والمطبلين يصورون للسياسي أن «النقد البنّاء» هو المديح الطويل مع إضافة عبارة ( لسنا معصومين والأخطاء في كل مكان ) ، لذلك من يستسلم لهذه الرؤية المشوهة يعرض عن نقد كثير من المخلصين. نحتاج إلى تآلف حقيقي مع النقد يجعلنا نبحث عنه ونحب من يقدمون لنا هذه الهدايا النقدية .. وللحديث بقية.