بكل هذا التواضع، والبساطة، يتخلّى عبدالله بن عبدالعزيز، عن كل الألقاب، والأسماء محتفظاً فقط، بشرف الاسم "عبد الله" وبشرف المهمّة "خادم الحرمين الشريفين". هكذا كانت الأمنية التي طالب بها عبدالله، شعبه، مشيراً إلى أن كل شيء زائل، وأن ألقاباً لم يسعَ إليها، لا تغني من الله شيئاً، الملك إن هو إلا لله، ونحن عبيده. هكذا كانت اللغة، البسيطة جداً، والعفوية جداً.. هكذا هي الشخصية الراقية، المؤمنة، والسامية بترفعها عن كل عرضٍ في الدنيا. بالأمس.. ضرب عبدالله بن عبدالعزيز، قدوةً ونموذجاً رائعاً، يصلح أن يكون منهاجاً وإطاراً عاماً للشخصية الإسلامية الحقيقية.. بالأمس.. كانت القيمة الكبرى، والروح الشامخة، التي عهدناها في كل كلمات وسلوكيات عبدالله بن عبدالعزيز. حينما كنت أقرأ الكلمات، التي بثتها وكالة الأنباء السعودية، بعد عصر الثلاثاء الماضي، أحسست بقشعريرة تلف جسدي، كنت، مع كل كلمة، أتخيل تلك الطريقة الأبوية، الحانية للغاية، في مخارج الحروف، توقفت أمام كلمة "أرجوكم" ذاتها لأدرك، أن عبدالله بن عبدالعزيز، يريد أن يتخلص من كلّ عرضٍ زائفٍ، لم يكن في لحظة من اللحظات، يسعى إليه، أو يتشدق به. بنفس اللهجة، وقفت أمام الجملة البسيطة في كلماتها، والمضيئة في معانيها، حينما قال «أرجوكم.. أن تشيلوا هذا اللقب عني، الملك هو الله، ونحن عبيد الله عز وجل»، لأتنهد بعمق تنهيدة ارتياح، إذ كنت ككل السعوديين، وجدت نفسي في حضرة القيمة لا اللقب، وبين يدي السمو الإنساني الذي يتحلى في أزهى صوره وأشكاله، في شخص رجلٍ كعبدالله بن عبدالعزيز. إننا نحن الذين التصقنا بعبدالله بن عبدالعزيز،.. تآزرنا سوياً، تشاركنا في كل اللحظات، في كل المراحل والأوقات.. تشابكت أيدينا، والتقت عقولنا، وتوحدنا معه، نستمد منه الإخلاص، ونبادله العهد والوفاء.. إننا نحن الشعب السعودي الرائع، بأطفالنا وشيوخنا، برجالنا ونسائنا.. بأحلامنا وهمومنا، بطموحنا ومشاكلنا، باختلافنا وانصهارنا.. إننا نحن المشدوهين بهذا التواضع.. نعبر في تلك اللحظة بالذات، كما عبرنا من قبل، وكما سكبنا مشاعرنا حباً وخوفاً وتضرعاً إلى الله.. لا تهمنا الألقاب ولا تعنينا الأسماء، يكفينا أنك أنت الأب قبل أن تكون المسئول.. يكفينا أنك المواطن.. قبل أن تكون الملك.. يكفينا أنك منا، كما نحن منك.