نحن الكتاب نتوجّه في كتاباتنا إلى نسبة ضئيلة من أبناء أمتنا العربية الذين يتجاوز عددهم (340) مليون نسمة، فنحن نخاطب نسبة لا تتجاوز ال 30% منهم، ذلك لأن ما يقارب 70 مليوناً من العرب من الأميين، وتلك كارثة الكوارث، وحتى تلك النسبة الضئيلة -من غير الأميين- التي نتوجه إليها موزعة بين (الإعلام الأسهل) المذياع والتلفاز، وإذا أمعنت النظر في توجهات الجهات المساعدة على محو الأمية أو التي من المفترض أن تكون مساعدة على ذلك وجدتها تحتاج لمن يعينها على التخلص من أميتها، وأعني هنا الأندية الترفيهية (الرياضية) التي ركزت جهودها التثقيفية في مجال التربية البدنية وتحديداً (كرة القدم)، مما أوجد أجيالاً من أصحاب العقول (الكروية) الذين همهم الأول، بل وأهم تطلعاتهم الثقافية، متابعة الصحافة الفنية والرياضية، ومتابعة ماذا قال هذا النجم؟ وماذا قالت هذه النجمة؟ وماذا أكل؟ وأين سافر؟ وبكم تعاقد مع هذا النادي؟ وبكم تعاقدت على إحياء الحفلة؟، ولذا تصفعنا الإحصائيات بأرقام هزيلة عن القارئ العربي، فهي تقول: إن نصيب الإنسان العربي من القراءة هو نصف صفحة في العام، بينما الإنجليزي 11 كتاباً في السنة، وهي –بالطبع- لا تتحدث عن (ثلثي) العالم العربي الأمي، بل تتحدث عن (ثلث) العرب!! والعجيب في أمر الإنسان العربي أنه أصبح رهين شاشتين، الأولى هي شاشة الهاتف المتنقل، فهو يقرأ ويقرأ ويقرأ منها.. ولكنه يقرأ الرسائل (التافهة) والتسويقية التي تأتيه عبر هذه الوسيلة، أما الشاشة الأخرى فهي شاشة التلفاز، تلك الشاشة التي استولت على معظم وقته، فهو لا يقرأ إلا نادراً، أو لنقل هجر الإنسان العربي القراءة ورفع العلم الأبيض معبراً عن الهزيمة والاستسلام للثقافة البصرية، وهكذا أصبح مصدر ثقافته بصريا! وفي هذا السياق يأتي تاريخ العقليات -وهو نهج من مناهج دراسة الأفكار، يدرس العقليات والأفكار السائدة في عصر معين– ليقول في وصف الشعب الفرنسي في القرن السادس عشر: إنه شعب ضعيف الإحساس بالوقت، وإدراكهم للعالم من خلال السمع أكثر من العين، وهذا لعمري ما ينطبق على الشعب العربي في هذا القرن (الواحد والعشرين)، فهو شعب لا يقرأ ويدرك العالم بالبصر!! لقد تحدث علماء النفس عن الكثير من العقد النفسية، منها (عقدة الكترا وعقدة أوديب)، الأولى تخص البنات، وهي عقدة نفسية، تنم عن تعلق البنت بأبيها مع الغيرة من الأم باعتبارها تنافس البنت على قلب والدها، والثانية تخص الأولاد وهي عقدة نفسية، تنم عن تعلق الولد بأمه مع الغيرة من الأب أو بكراهية شديدة له لأنه ينافس الابن على الأم، ومن منطلق هاتين العقدتين، ربما نحن في حاجة إلى أحد طلاب البروفسيور الاسكتلندي جيمس فريديك، أو أحد علماء الأبستمولوجيا (Epistemology)، أو علماء تاريخ العقليات أو علماء النفس، ليحدد لنا أصل هذه العقدة (القرائية) –نسبة إلى القراءة– التي يعاني منها الإنسان العربي، فربما نجد في محاكاة تلك العقدتين أعني (الكترا وأوديب) أسباب انصراف الإنسان العربي عن القراءة الجادة، وتوجهه إلى أخبار النجوم والنجمات، رغم أن أقدس الكتب وأكرمها جاء عربياً وبدأ بكلمة (اقرأ) .