هناك مثل يقول (الشجرة لاتخفي الغابة). المقصود - في الغالب - عند استدعاء هذا المثل، هو الرد على من يبخسون عملاً أو جهداً كبيراً في سبيل قضية ما على أساس ان الغابة أكبر من الشجرة. وكباقي الأمثال، تبقى صحة أو خطأ المثل مجازية ومرتبطة بالزمان والمكان والظروف الحياتية للناس وصراع المفاهيم السائدة. هل الشجرة المعزولة « أحسن» من الغابة المتصلة؟ في الطبيعة وفي العلوم التطبيقية قد يبدو الجواب سهلاً. هناك فقط تياران رئيسيان، يمكن لهما التعايش وفق مبدأ مقارعة الحجة بالحجة سلميا وفق عقد اجتماعي يعطي لكل ذي حق حقه. أما مسألة الحسم في اختلاف المفاهيم حول معنى الاصلاح، فإن من الإهانة للناس القول بحمايتهم ممن يدسون السم بالعسل. السم واضح والعسل واضح وليس بينهما متشابهات أما في العلوم الإنسانية والقوى المؤثرة في حركة المجتمعات البشرية، فالجواب أكثر صعوبة وتعقيداً. لماذا نذهب بعيداً في البحث ونحن أمام نموذج حي لعوامل تأسيس وبناء مجتمع ودولة المملكة العربية السعودية كما هي معروفة بشهود لايزالون على قيد الحياة وبوثائق محكمة ومعتمدة؟عندما باشر المؤسس - طيب الله ثراه- في وضع بذور مجتمع جديد تجسدت على شكل الأخذ بالأدوات العصرية من سيارة وبرقية وقوانين مالية وعلاقات مع الدول والمحافل الدولية، كانت تلك خطوات بدت معزولة في بادئ الأمر إلا انها كانت معززةً بالإرادة وبسطوة منتجات الحياة الجديدة وأدواتها وأفكارها. تراجعت الاحتجاجات وذبلت أوراق الماضي واينعت الحياة نبتات المستقبل المتجددة والجديدة. وبالرغم من أن الماضي لا يعود، إلا أن جدل الحاضر والمستقبل في الوجدان، كان يقف بجانب المستقبل في كل مرة تبدو معركة المفاهيم حول وجهة تطور المجتمع ضبابية نتيجةً لظروف داخلية أو خارجية. ومع مرور الوقت بدأت تتضح معالم رؤيتين مجتمعيتين متعارضتين حول وجهة تطور البلد مجتمعاً ودولة إلى ان جاء عام 1959حيث حسمت الدولة الأمر وصدر مرسوم ملكي يقضي بافتتاح مدارس تعليم البنات. توالت خطوات التطوير والتحديث وتطور معها الوعي المجتمعي وتعزز حيز الرأي العام ومساهمة الناس في الحراك الاجتماعي عبر مخاضات صعبة ومكلفة احيانا وصولا إلى طرح الملك عبدالله لمشروع الإصلاح الشامل المعضد بجهود القوى الخيرة افراداً ومؤسسات. وتحت عنوان الإصلاح الذي أصبح شعاراً للتغير للدولة وأيضا لكل القوى الفاعلة ولمراكز التأثير، التبس مفهوم الإصلاح في الفضاء العام. الذين يعارضون عمل المرأة ويدعون لبقائها في البيت، ويعارضون البعثات الخارجية، ويعارضون تطوير التعليم وجامعة كاوست ويعارضون تطور المؤسسات المالية وكل مظاهر التحديث في السينما والمسرح، ويثيرون المشاكل في معارض الكتاب...الخ يفعلون ذلك بحجة الإصلاح. أما الذين يؤيدون كل ما تقدم ويطالبون بالمزيد من الإصلاحات في مجلس الشورى وحقوق المرأة وحرية الرأي ومكافحة الفساد وكافة انواع التعصب وتعضيد كل ما يخدم ذلك، يفعلون ذلك بحجة الإصلاح. ليس هناك تيارات متعددة لحسن الحظ كما في البلدان الأخرى. هناك فقط تياران رئيسيان، يمكن لهما التعايش وفق مبدأ مقارعة الحجة بالحجة سلميا وفق عقد اجتماعي يعطي لكل ذي حق حقه. أما مسألة الحسم في اختلاف المفاهيم حول معنى الاصلاح، فإن من الإهانة للناس القول بحمايتهم ممن يدسون السم بالعسل. السم واضح والعسل واضح وليس بينهما متشابهات. [email protected]