يحاولون تقييدك.. تمرد على سلاسلهم الواهنة..لا تضعف.. يحاولون بناء سور يظنون أنه أعلى من قامة صوتك، إرمهم بالأغاني الطازجة من خلف ذاك السور، يحاولون قطع الطرقات المؤدية إليك،ووضع الحواجز الإسمنتية ونقاط التفتيش أمام بابك، لا تكثرت فأنت أصلاً لا تمشي على أقدامك على الأرض..بل تفرد جناحيك في الفضاء، لا تحفل بكل محاولاتهم السقيمة في وضعك في "أوكواريوم" للفرجة،أو في قفص أصغر من قفصك الصدري، كن حرا كماء النهر..مارس غوايتك التي تشتهي.. اتبع خطوات قلبك ولا تحط الرحال بحضن.. اعتذر من كل الزهور التي لم يتسن لك الوقت لريّها، وكل الواحات الجميلة التي لم يقع قلبك عليها، وكل القصائد التي لم تكتمل لضيق العمر، وكل الأسماك الصغيرة التي لم يمهلها ملحك بعضا من الوقت لتطبّب جروحها النازفة من نهش الحيتان لحسكها الملوّن! لا تحاول أن تثني قلبك عن الطيران،مهما فعلوا، يفتشون جيوب عواطفك..يمارسون التنصت على همس "مزنك" اليافع، وغيمك الذي لم يولد بعد،يدفعون ثمنا باهظا لقاء الوشاية بنبضك، لا تنشغل بالوشاية ولا الواشي ولا حتى الثمن! يمارسون كل أنواع الخسة والدناءة ليضبطوك متلبسا بالجمال، لا تنكسر، ولا تهن، ولا تتوقف، تابع مسيرتك كنهر عظيم،يشق اليابسة،يتخطى الصخور،وعندما تسقط من الهاوية ،لا تنس أن تمارس "سقوطك" بكل جمال ورهبة كما تفعل الشلالات،وأبداً.. لا تتوقف.. يحاولون أن يثنوك عن خطاياك الحسنة بموعظة "غير حسنة"،لا تتعظ،اكمل مشوار خطاياك اللذيذة عبر الصحاري والوهاد،وزّع خُضرتك الباهية على المساحات المتسولة من بقاع الأرض،لا تبخل على هذه الأراضي الفقيرة ببعض كسوة للربيع،ولا على الزهور الآيلة للجفاف ببعض حياة،ولا على عابري السبيل بما يُذهب الظمأ! لا تكُفّ عن المرور بكل الحقول،هَبْها الفرح،وتقبّل ما تهديه لك من عطور،وفراشات تبارك مسيرتك،وعسلٍ يغذيك بالخلود، سيحاولون تشويه مراياك الجميلة بإلقاء قاذوراتهم،ونفاياتهم على وجهك،لا تحفل بذلك ولا يزعجك ما يفعلون،وتذكّر أنك ستبقى أبد الدهر صالحا للوضوء .. أترك وصاياك النبيلة المحرضة على الحب أينما حللت،واترك بعضا من أغانيك المزهرة حيثما وطئت،دع الأطفال يغسلون وجوههم بمائك لتعود البراءة إليهم،والنساء يتعرين على ضفتيك ،ويلبسونك فساتينهن رداءً من ألق. كالنهر أنت.. لا تترك قصرا فاخرا ،ولا كوخا بائسا إلا وغمرته بفضلك،ولا تترك خفقة قلب جافة إلا وغمرتها بنعيمك،ولا قصبة سكر إلا وأطعمتها الحلوى! أما هم ،هؤلاء الذين يحاولون تكبيل قلبك، فلهم أن يختاروا،إما أن يصالحوا مسيرتك ويتمتعوا كغيرهم بما تَهِب،أو أن ينشغلوا بمحاولة اصطيادك ووضعك في آنية من زجاج،مهما كبر حجمها لن تسعك،ولن تُرضي مشيئتك. لهم أن يكونوا قوارب شراعية تحضنها دفتاك، وتكون أجمل بين راحتيك،أو أن يكونوا صخورا بائسة أصابها داء العظمة فتوهمت أنها ستوقف جريانك رغما عنك! لهم أن يكونوا أسماكا تتنفس في أعماقك وعلى سطحك،وتمارس حياتها الطبيعية في مجراك،أو علب مشروبات غازية فارغة تقذفها بعد حين على اليابسة،أو تستقر في قاعك ليأكلها الصدأ، وفي كل الأحوال لا تستسلم،وأعلم يقينا أنك لن..! ولا تسلّم مفاتيح حريتك لأحد، ولا تجعل من أحد حارسا على أبواب جمالك، والأهم من كل ذلك "لا تعتذر عن ما فعلت"،بل اعتذر عن ما لم تفعل، اعتذر من كل الزهور التي لم يتسن لك الوقت لريّها، وكل الواحات الجميلة التي لم يقع قلبك عليها، وكل القصائد التي لم تكتمل لضيق العمر، وكل الأسماك الصغيرة التي لم يمهلها ملحك بعضا من الوقت لتطبّب جروحها النازفة من نهش الحيتان لحسكها الملوّن! اعتذر من كل الشفاه الناشفة التي نادتك صمتا ولم تسمع.. اعتذر لها علناً لعلها بعد موتك تبلل يباسها .. بوصاياك!