المسار الحالي للاقتصاد السعودي يشير وبشكل شبه يقيني الى أننا مقبلون على أزمات حادة، فأعداد العاطلين عن العمل تزداد يوما بعد يوما، حيث يشير أكثر التقديرات تحفظا الى أن هناك أكثر من مليوني مواطن سيدخلون سوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة، في المقابل فإن إجمالي عدد من يعملون في القطاع الخاص من السعوديين لا يتجاوز 800 ألف، ما يعني أن القطاع الخاص يجب أن ينمو بنسبة تزيد على 250بالمائة خلال السنوات العشر المقبلة ليتمكن من توفير عدد كاف من الوظائف. أما فيما يتعلق باستهلاكنا الشره للطاقة، فنحن نستهلك أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، حيث تنتج السعودية حوالي 8 ملايين برميل وتصدر 5 ملايين برميل، ونسبة النمو في الاستهلاك هي الأعلى في العالم وتزيد على 5 بالمائة سنويا، ويشير المختصون الى أننا سنستهلك أكثر من 10 ملايين برميل قبل حلول عام 2030، أي أننا سنستهلك أكثر مما ننتجه حاليا، وقد لا يتبقى شيء لنصدره لننفق على ميزانية الدولة. أما المشكلة الأكبر التي تعانيها غالبية المواطنين وتمس حياتهم اليومية فهي مشكلة الإسكان التي تتفاقم يوما بعد يوم. فبعد أن فقد المواطن الأمل في امتلاك أرض ومسكن، بات يجد صعوبة حتى في إيجاد شقة يستأجرها بسعر مناسب. كل الإصلاحات السابقة، هي إصلاحات بدهية لكل الاقتصاديين، لكنها صعبة التنفيذ بالنسبة للسياسيين.كل هذه التشوهات الاقتصادية، تحتاج إلى قرارات حاسمة ومؤلمة لعلاجها. فعلاج البطالة يتمحور في جانبين : رفع تكلفة العامل غير السعودي، ودفع القطاع الخاص وتسريع نموه. أما رفع تكلفة العامل غير السعودي فسيؤثر بشكل مباشر على شريحة كبيرة من المواطنين (تقدر بأكثر من نصف مليون) يعتمدون بشكل شبه كلي على التستر والمتاجرة بالعمالة بشكل غير نظامي كمصدر رزق أساس ووحيد. كما أن رفع تكلفة غير السعودي ستؤدي حتما إلى ارتفاع في الأسعار. أما تسريع نمو القطاع الخاص فيتطلب محفزات قد يكون منها زيادة الحمائية لتحفيز الإنتاج المحلي أو خفض العملة، وهي أيضا قرارات ستؤدي لرفع الأسعار والإضرار بكثير من المستوردين، وفيما يتعلق باستهلاك النفط، فإن أول وأهم وسيلة لتقليل الإدمان والهدر الحاصل في الاستهلاك الداخلي هو رفع سعر الوقود بنسبة قد تزيد على 300بالمائة، وهو قرار سيؤثر بشكل كبير على ذوي الدخل المحدود. كما سيثير حفيظة غالبية المواطنين. وأخيرا، فإن علاج أزمة الأراضي والإسكان يتلخص في سن زكاة أو رسوم على الأراضي البيضاء، وسيكون أكبر المتضررين هم كبار تجار الأراضي، وبعض المواطنين الذين يتاجرون في الأراضي وغالبيتهم من ذوي الدخل المرتفع، لكن صوتهم أيضا مرتفع. كل الإصلاحات السابقة، هي إصلاحات بدهية لكل الاقتصاديين، لكنها صعبة التنفيذ بالنسبة للسياسيين، حيث يراعي السياسي عند اتخاذ قرارات كهذه ردود فعل المتضررين، وبالتالي تتأخر هذه الإصلاحات وتتفاقم المشكلة ويصعب حلها في المستقبل أو يستحيل. [email protected]