أذكر من القصص الشعبي التي كانت نساء بلدي يروينها: أن امرأة كانت متزوجة من رجل متسلط، كان قد أغلق عليها باب الحديث بما في نفسها معه، وزاد في العتو والتجبّر فمنعها من الحديث مع صويحباتها، وخوفًا منه على نفسها وعلى بيتها التزمت بكل أوامره الصارمة، ولكنها شعرت بالحاجة الطبيعية إلى التعبير عمّا في خاطرها، فاتخذت لها (خابية)، وهي عبارة عن آنية من الفخار تشبه (الحِبّ)، وجعلتها في (الدار) وهي الغرفة الصغيرة داخل غرفة النوم، وصارت كل يوم تدخل خلال غياب زوجها وتتحدث إليها، حتى تظن أنها أفرغت ما في نفسها.. وفي يوم من الأيام، كانت تتناول الغداء مع زوجها، إذا بهما يسمعان صوت انفجار داخل (الدار)، فذهبا مسرعَين، فتفاجأ الزوج بالخابية وقد انشقت نصفَين، وتناثر منها رماد أخضر، فالتفت إلى امرأته، التي امتقع لونها حين رأت المشهد المذهل، ولكنها كشفت عن الحقيقة وقالت له: إنك حين منعتني عن الحديث معك ومع الناس، لم أجد سوى هذه الطريقة كي أخرج هذه الهموم من قلبي، وها هي ذي الخابية قد انشقت؛ لم تحتمل الصبر والكتمان، فكيف لو أني كتمتها في قلبي.. إذن لانشق قلبي برماد أشجاني وأشواقي وهمومي.. من خلال استبانة شارك فيها عشرات النساء المتزوجات اتضح لي أن أهم وأعظم وأجمل ما تتمنى المرأة المتزوجة من زوجها أن يفتح لها باب الحوار معه.. وأن يسمح لها بأن تتحدث إليه.. وأن يستمع إليها وحسب!!من خلال استبانة شارك فيها عشرات النساء المتزوجات اتضح لي أن أهم وأعظم وأجمل ما تتمنى المرأة المتزوجة من زوجها أن يفتح لها باب الحوار معه.. وأن يسمح لها بأن تتحدث إليه.. وأن يستمع إليها وحسب!! لقد أنفت بعض نساء مجتمعنا من تسلط الرجل/ الزوج، واستغلاله حق القوامة الشرعي استغلالًا خاطئًا، حيث لا يعدو كثير من علاقة الأزواج بزوجاتهم علاقة القائد العسكري بأفراد كتيبته، أوامر من جانب، وتنفيذ من الجانب الآخر، دون حق في المراجعة والمناقشة، حتى أصبحت تلك المرأة تحسُّ بذوبان شخصيتها، واضمحلالها شيئًا فشيئًا، إلى أن تحطمت في نفسها كوامن الإبداع، وتمزّقت أنسجة التفكير، فما عادت تحسّ بوجودها الفعلي في الحياة الزوجية. ويتخذ الرجل المتسلّط وسائل عديدة لمصادرة رأي المرأة، فهو مرة يغضب، ويصرخ، ويتحدث عن أشياء كثيرة يرى أن المرأة قصرت فيها لا علاقة لها بالمشكلة القائمة، ومرة يطلق قنبلة (لا) بصرامة، وحدية، ثم باسم الرجولة لا يتراجع عنها أبدًا حتى إذا ظهر له وجه الحق.. وذلك ظلم عظيم لنفسه ولها..، ومرة كما عبّرت إحدى المتزوجات بالصمت المطبق، الذي يزيد من شعور الزوجة بالقهر والمرارة، ومرة بالأنا العالية التي لا تبالي بكيان المرأة التي أمامه، فهو لا يرى غير نفسه المتغطرسة. إن كثيرًا من النساء المشاركات في الاستبانة عبّرن عن حب عميق لأزواجهن، ولكنهن عبّرن في الوقت نفسه عن شوق عارم للحديث المفتوح المريح مع أزواجهن، وتمنّوا أن يهبهم الله تعالى الحِلم.. والابتسامة.. والكلمة الطيبة.. والحضور الزوجي الحقيقي داخل المنزل. إن قوامة الرجل على المرأة ليست بأن يكون الرجل غليظًا قاسيًا عنيفًا، سليط اللسان واليد، فذلك مفهوم جاهلي للرجولة. إن الرجولة في الإسلام: شخصية قوية جذابة محببة، وخلق عال نبيل، وتسامح وإغضاء عن الهنات والهفوات الصغيرة التي لا تمس دينًا ولا عُرفًا صالحًا، ووقوف حازم جاد متعقل عند حدود الله، وتطبيق لأحكامه على أفراد الأسرة جميعهم، وقيادة بارعة لبقة نحو الخير، وبذل وسخاء في غير سرف ولا تبذير، ألا يحق لنا بعد هذا أن نراجع حساباتنا مع أسرنا وطريقة قيادتنا لها، مسترشدين بهدي رسولنا «صلى الله عليه وسلم». ونحترم ذلك العقد الوثيق الذي قال الله تعالى فيه: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).