تقف كلماتنا محبوسة في أدراج الليل.. تشيخ أصواتنا..،يعتري الغضب غصونها لتصبح صفراء ولكنها قطعا لن تكون آيلة للكسر.. للكلام أقفال..ولكن أين مفاتيحها؟! يجيبك الشخص المسئول:« عند اللي فوق»! وتأخذك متاهة الأفكار في محاولة لمعرفة من هو تحديداً «اللي فوق».. ليس حبّاً في معرفة شخصه المحترم ،ولكن لمعرفة ما يريد تحديداً،حتى تتمكن من معرفة ما إذا كنت قادرا على الوصول لمفاتيح الكلام،أم أن مساحة الصمت بينكما شاسعة جدا للدرجة التي تُنهك الرّحال! ومتاهة الأفكار تلك التي تضيع في دوامتها لمعرفة من هو «اللي فوق» تمتد إلى مكتب فاخر في الأرض، ثم إلى.. قلم أحمر! مبكرا عرفتَ وأنت على مقاعد الدراسة أن الفاعل يمكن أن يكون مجهولاً تقديره هو..ولكنك حتى هذه اللحظة وبفضل ذلك «الشخص المسئول» لم تعرف: من هو؟!!!!!عادة لا يحدّد «الشخص المسئول» ملامح «اللي فوق» مهما حاولت،بل يحاول أن يلونه بألوانٍ من زيت الغموض،ويطلي وجهه بالسواد حتى لا تتعرف عليه،إذ أن اختياره ليصبح «الشخص المسئول» ناتجاً فقط لقدرته المدهشة بتركك للاحتمالات، ولحسن الظن وسوئه،وللعبة الكلمات المتقاطعة، وبتركك للدروب التي قد تؤدي بك إلى ..الهاوية! مبكرا عرفتَ وأنت على مقاعد الدراسة أن الفاعل يمكن أن يكون مجهولاً تقديره هو..ولكنك حتى هذه اللحظة وبفضل ذلك «الشخص المسئول» لم تعرف: من هو؟!!!!! من هو ذاك الذي وحده يملك الحق في إزاحة الستائر عن النوافذ ليصافحك الصباح؟! من هو ذاك الذي وحده يملك القدرة على إطالة عمر الليل؟! من هو ذاك الذي وحده يملك أن يمنح صوتك الحياة؟! من هو ذاك الذي وحده «يقول للتسهيد..لا ترحل »؟!! ولأننا نجمّل أحزاننا بالأغاني،نغني مع أحمد عدوية: «يا اهل الله ياللي فوق..ما تطلّوا على اللي تحت»!! فالأغاني التي قد يقول عنها البعض هابطة..تعبّر عن أحزاننا لأن حزننا أحيانا ليس سامياً! حزننا أحياناً ليس فقط ليس سامياً ،أنه سامّ! يتسرب إلى البشائر فيقتلها،ويتسرب إلى الفجر فيكتب شهادة وفاته..،ويتسرب إلى أرواحنا فيقتل سكينتها! «يا اهل الله ياللي فوق».. أمنية قديمة لا زالت تمشط جدائلها تتمثّل بنيل شرف معرفتكم .. بالجلوس معكم على مائدة طعام واحدة.. بمشاركتكم النكتة..ومقاسمتكم سنابل الدموع! بالسماح لأطفالنا وأطفالكم باللعب معاً..! نحلم بقضاء أمسيات الشتاء معاً نتدفأ بالأحاديث وموقد جمر واحد نشترك ناره،وسراج نشترك نوره. نحلم بأن نحظى ببعض نسائم الصيف العليلة، فيوجد منها ما يفيض عن حاجتكم وحاجتنا! نحلم بأن تجلس زوجاتنا مع زوجاتكم ليتبادلن أسرار الخلطة السرية لأطباقهن..وكيفية نيل رضا الأزواج! نحلم بأن نكتب قصائد المدح بما يربطنا بكم من محبة صادقة،لا هدف لها سوى أن تكون الحياة جميلة بكم..وبنا، «يا اهل الله ياللي فوق».. يعلم الله أننا لا نريد سرقة شيء من قبس أنواركم..نريد فقط أن يسرق ذلك القبس شيئاً من ليلنا لنكون له من الشاكرين. ولا نريد أن نهدم خيامكم الفارهة، فقط نريد أن نستظل بظلّها،لنكون لها من الحامدين! ويعلم الله أننا لا نريد أن نخطف الطعام من أفواهكم،ولكن نريدكم أن تحسّوا بالتصاق بطوننا في ظهورنا،ليس بحثا عن الرشاقة، ولكن من قلة ما نجد! نريد أن تمتلىء حياتكم وحياتنا بهجةً، فندعو لكم مخلصين بطول العمر، و تدعون لنا صادقين بمثله، فكيف يتأتى ذلك أن كانت نداءاتنا لكم محبوسة في أدراج الليل؟! يبدو أنه لا بدّ من الاستغناء عن الكلام بالأغاني لعل الطرب يندّي الألم ،فنقول «للي فوق»: كيف السبيل إلى وصالك دلّني؟!!