إسرائيل: سنواصل ضرباتنا في لبنان «بلا هوادة» .. ولن نمنح حزب الله فترة ليتنفس    ماكرون يطالب بالكف عن تسليح إسرائيل    التعاون يصالح جماهيره بالفوز على الفتح    تعليم جازان يشارك في اليوم العالمي للمعلم 2024 تحت شعار "تقدير أصوات الجميع، نحو عهد اجتماعي جديد للتعليم"    الحدود الشمالية: القبض على 5 أشخاص لترويجهم مادة الحشيش وأقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    الحرفش: ظهور أنماط مستجدة من الجرائم تهدد أمن الأفراد.. والتعاون القانوني الدولي ضرورة لمكافحتها    السكري يؤزم موقف النموذجي    العرفي: الذكاء الاصطناعي بدأ في الخمسينيات الميلادية وأسهم في تطوير الحياة    وزير الحج يستقبل وزير السياحة والآثار المصري    إطلاق تقويم فعاليات شتاء السعودية    «هيئة العقار» تُعلن بدء التسجيل العيني لأكثر من 87 ألف قطعة عقارية بمدينة الدمام ومحافظة الخبر    فيصل بن فرحان يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية أمريكا    26 ورشة وجلسة متخصصة في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي    أباتشي الهلال تكتسح النصر وتحقق ذهبية دورة الألعاب السعودية الثالثة    لقاء علمي يبحث الوقاية من فيروس الجهاز التنفسي المخلوي    ليفربول يفوز على كريستال بالاس ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    «تقني عسير» يختتم تدريب السيدات على صيانة السيارات    الإدارة العامة للأسلحة والمتفجرات تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024    قاعدة الملك فيصل الجوية بالقطاع الشمالي تحتفل باليوم الوطني 94    القوة الدافعة وراء تشكيل جيل قادر على التنافس عالميًا    أمانة تبوك تنظم ورش عمل مشتركة مع القنصلية الأمريكية    القيادة تهنئ سلطان بروناي دار السلام بذكرى توليه مقاليد الحكم في بلاده    آل زلفة: الصدفة قادتني ل 1000 وثيقة في متجر لبيع الصحون وقدور الطبخ!    هل تهاجم إسرائيل إيران 7 أكتوبر؟    ضبط (22094) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع المساعدات الغذائية للأسر الأكثر احتياجًا في جمهورية قرغيزستان    ثاني أكبر روافد نهر الأمازون بالبرازيل يسجل أدنى منسوب للمياه بسبب الجفاف    جمعيتي "طويق" و"العمل التطوعي" تحتفلان باليوم الوطني بعشرة أركان تفاعلية    اليوم عرسك    رياح مثيرة للأتربة والغبار على الشرقية والرياض والمدينة    "المركزي الروسي" يرفع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    العربي يتغلّب على العين بثلاثية في دوري يلو    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أحلام على قارعة الطريق!    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزهة في سبعة أيام
نشر في اليوم يوم 20 - 12 - 2012

في هذه الصفحة، نبحر أسبوعيًا مع كاتبنا الرشيق، نجيب الزامل، مستدعيًا يومياته، التي يلخصها لقراء (اليوم) في سبع تجارب ذهنية وفكرية، يثري بها الأفق السياسي والفلسفي والتاريخي والجغرافي والثقافي. إنها تجربة يتحمّلها الزامل وربما نتحمّلها نحن بإسقاطاتها، وتداعياتها وخلفياتها، حتى لا يكون في العقل «شيءٌ من حتى».
اليومُ الأول: حكايتان عن امرأتين ملكتا قلب محمد صل الله عليه وسلم
«سنيّة قراعة» كاتبة ومؤرخة مصرية ازدهرت كتاباتُها بمجلاتٍ قديمة وأجمَعُها خصوصا من مصر لأنها اختصت بأمر واحد، وهو الكتابة التاريخية عن الشخصيات النسائية الإسلامية، وتبدع بالكتابة عنهن، أذكر أنها كتبت عن فاطمة الزهراء وذكرت حادثتين أرويهما لكم هنا:
ولدت فاطمة الزهراء قبل البعثة المحمدية ببضع سنين يرعاها أبٌ بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق، ويخرج الناس من الظلمات للنور، وأم جمعت إلى حسَبِها ومالِها فضلاً وأدبا، وشقيقاتٌ طاهرت هنّ: زينب ورقية وأم كلثوم. بقيت فاطمة في مكة بعد هجرة أبيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وجمعت إلى فضائلها المتوارثة جمالا ورقة، فاتجهت إليها أنظار كبارُ المسلمين يهفون إلى ربط نسبهم بنسب محمد عليه صلوات الله، ولكن أباها آثر ابن عمه «عليّا» فزوجها إياه. وجمع الرسول بهذا الزواج أحبّ شخصين إليه. الحكاية الأولى: مع أن الإسلامَ منح الرجلَ حق الزواج بأكثر من واحدة فإن علياً كرم اللهُ وجهه لم يدر بخلدِه أن يتخذ للزهراء ضُرةً.. حتى جاء يوم «قيل» – مع أن سنية قراعة لم توضح- مع أن كثيرا من المؤرخين يقولون إن عليا رضي الله عنه لم ينوِ الزواج على فاطمة بل هي شائعة انتشرت- أنه يريد أن يخطب لنفسه «فاطمة بنت أبي الحكم بن هشام»، وتعرفون طبعا من «أبو الحكم: فهو المعروف بأبي جهل. فشكت فاطمة لأبيها وبكت عنده، وتداعى صدرُ النبيّ الكريم أمام دموع مهجة قلبه فضمها إلى صدره وراح يطمئنها. ثم إنه بعد أن قضيت الصلاة، صعد الرسولُ إلى المنبر وقال: «.. إن فاطمة بضعةٌ غاليةٌ مني، فمن أحبها أحبني، ومن أبغضها أبغضني..» إلى أن يقول صلى الله عليه وسلم:» وإني لست أحرّم حلالا، ولا أحلُّ حراماً، ولكن والله لا يُجمع بنتَ رسول الله وبنت عدو الله في بيتٍ واحد أبدا».. عاد «عليٌ» لبيته وقال لفاطمة: «والله لا آتي شيئا تكرهينه». الحكاية الثانية: «حدث أن لاحظتْ أمهاتُ المؤمنين رضوان الله عليهن بكثرة ما يرِد على النبي صلى الله عليه وسلم من الناس في يوم عائشة بنت ابي بكر رضي الله عنهما، فأرَدْن أن يكون لهن كحظ عائشة، فانتدبن فاطمة الزهراء لتشفع لهن. ذهبت الزهراءُ لأبيها وقصتْ عليه ما جرى، فأجابها الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «ألا تحبين أباك يا فاطمة؟!» فقالت- «بلى». فقال لها بعطف: إذن، فأحبي عائشة، فوالله مانزل عليّ الوحيُ وأنا في فراش واحدة منهن غيرها. إنها حكاية امرأتين أحبّهما الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وملكتا قلبَه.

اليوم الثاني: تذكروا التاريخَ القريب.. من سمع منكم باسم «رحَبوت»؟
«رحَبوت»، هو السبب في الثقة الاسرائيلية بسطوة قوتها علينا من سنين. إنها قصة تُحكى، قصة كتبها الإسرائيليون بصفحاتِ مجدهم، وتكاتفهم وتآمرهم مع بعضهم الذي جعل منهم من أربعينيات القرن الماضي أكبر قوى ضغط عالمي وبحثي وسياسي وفكري وإعلامي، و.. ذرّي. هل سمع أحدكم بمعهد اسمه «رَحَبوت» للبحوث النووية؟ إنه معهد لم يكن فقط مبْنى ورؤية وكلام وطنطنة، فهم بدأوا ليس بالبحث بل بالفُرن على طول. الفرن؟! إيه نعم الفرن! «الفرن الذرّي» أو كما نسميه المفاعل الذري، وبرأيي أن الفرن أقرب وأدق. فرنٌ قدره عشرات الألوف من الكيلوواطات.. طبعا قالت اسرائيل وقتها - لما كنا العرب نتساجل بقصائد الوحدة العربية من المحيط للخليج- إنه للأغراض السلمية فحسب(!). لم يصدق إسرائيلَ أحدٌ، ولكن وشعليها؟! لحظة، نسيت، لم يكن فرناً واحدا، بل فرنان في عينَيْ العالم، ومن لم يرضَ فليبلّط البحر. لماذا «الفرن» طيب؟ قالت إسرائيل إنه لإنتاج النظائر من العناصر، ولا شيء إلا هذا! مرة ثانية اللي مو عاجبه إذا بقي عنده بلاط فليبلط أي بحرٍ يريده.. الحقيقة كان للبلوتونيوم، ويعرف الآن أي صغير يقرأ العلوم الفيزيائية، انه مادة القنبلة الذرية. لم يرتفع احتجاجٌ واحدٌ على المعهد.. وطبعا آخر من انتبه قادة العرب، فقد كانوا مشغولين بانقلاباتهم وتحاسدهم ومؤامراتهم على اي شيء. فرن اسرائيل، هو نفس الفرن الذي قام عليه العالم الإيطالي «فيرمي».. أرجوكم اقرأوا قصته مع فريقه من العلماء، ولما حصل التفاعلُ الذري المتسلسل الذي كان حلمهم بشّروا رئيس أمريكا ذاك الوقت «روزفلت» وكانت الشفرة كالتالي: « الملاح بلغ مرسى الأمان»، وصارت أشهر جملة في تاريخ الحرب الحديثة. نرجع لمعهد البحوث «رَحَبوت» لم يكن في الافتتاح فلان وعلان.. لا، كان الحضور، خذوا: «اوبنهايمر» العالم اليهودي، اكبر رأس في صناعة الذرّة بالعالم أيامها، والثاني العالم «بوهر» ويعتقد الكثير وخاصة من العرب أنه يهودي، ولكنه مسيحي دانمركي واسمه اسطورة بعالم الذرة، اعتنق رأي اليهود بحقهم الذي يدّعونه بهتانا بأرض الهيكل والميعاد.. والباقي كلهم علماءٌ يهود. يعني ضحكوا على العالم، شكله افتتاح ولكنه كان مؤتمرا حقيقيا لوضع السنة التي كانوا فيها 1958م كمنصة انطلاق اسرائيل لأكبر قوة ذرية خارج العالم الغربي وروسيا .. وفعلوا!
اليوم الثالث: العباقرة والجنون-2: جيب لي سمكة، واشْوِها بكُمِّك!
نتابع ما كتبناه عن العباقرة والجنون. تعرضنا في العدد الماضي من النزهة إلى «كيركجارد» مؤسس الوجودية الحقيقي، وفتى الأدب العبقري اللعوب «أوسكار وايلد».. واليوم نبدأ بأشهر فناني هولندا بل كل أوربا «فان كوخ.» كان «فان كوخ» مريضا عقليا بما يسمى الآن بالرهاب العصبي أو الشيزوفرينيا، وهو اختلال في كيميائة الدماغ تجعل المصابَ يتعرض لخلطٍ واضحٍ بين الحقيقةِ والوهم، فيرى أوهاما وكأنها واقع صحيح ملموس ومحسوس يتصر ف على إزائه. ويبدو واضحا أن كل رسومات «فان كوخ» بها تلك التلطيخات الخُوصِيّة الصغيرة بالفرشاة الصغيرة تحت ضربات الريشة المتوسطة ووراء الألوان الثقيلة، تدل على اهتزازاتٍ عاطفية ونفضة في الأنامل من تأثير المرض العصابي، إن عملية التنقيط الكثيرة في لوحاته لو لاحظتم جعلت نفسانيا مشهورا اسمه «باسبرز» من زمان يشخّصه من رسوماته بانه مصاب بالصرع، على أني أميل للشزوفرينيا، ثم أن الصرعَ يصاحب أحياناً الذهانَ الشديد. كان «فان كوخ» يكتب رسائلَ مبهمة لأصحابه.. مثلا: «إنك يا صديقي تخترق الليلَ ثم أحضر لي سمكة واشوِها بكمِّك..» «وشقاعد يقول هذا؟» بالضبط هذا ما قاله صديقه لما تسلّم الرسالة، ولكنه بحالة هذيان عقلي.. والذهان يصيب حتى من سهَر مطوّلا، أتذكر أني أرسلتُ تغريدةً فجرية وكنت لم أنَمْ منذ أربع وعشرين ساعة، ولم يفهمها أحد حتى أنا، الحمدلله مسحتُها ومرّتْ بسلام.. إلا أن حفظها أحد! فهل أعظم لوحات فنيّة على الأرض صادر من مخيلة عقلٍ مختل.. ليه لأ؟ . نأخذ المعتوه «نيتشه»، وهي صفة أطلقها عليه «برناردشو» مع أنه و»أبْسِن» تأثّرا بفكره، هو الفيلسوف «فردرك نيتشه» الذي ازعج العالم بكتابه «هكذا تكلم زرادشت» ونظرية الإنسان السوبرمان ومهّد للنازية الآرية الألمانية.. طيب أقول لكم شي؟ ظهر من كتابه هذا بالذات ومن الأعلوية القدسية التي خلعها على نفسه وعلى السوبرمان والدعوة الواضحة للاستعلاء ومن ما اسماها بِ»العوة السرمدية Eternal Return» أنه مصاب بالتهاب الدماغ الزهري- ويسمى أيضا كما يعرف النفسانيون باسم «الشلل الجنوني العام»- ومن أهم أعراض المرض هو اليوفوريا، ولا أرى لها اصطلاحا عربيا، وتعني الشعور المبالغ به بالقوة والعافِيَة والتكبر والاعتزاز الغروري وانتفاخ الذات وعدم الاكتراث بشعور الناس وتدهورٌ مفاجئ للذاكرة، هذا بالضبط ما حصل لنيتشه.. في الأخير شاف نفسه أنه «المسيح»- مثل بهاء الدين صاحب «البهائية» الذي رأى نفسه أكثر حتى من نبيّ- ووجّه «نيتشه» خطاباتٍ لملوك أوربا رسائل بهذه الصفة.. ثم جُنّ تماما، ونُقل لمستشفى الأمراض العقلية. ولم تعد المساحة تكفي لكي أحدثكم عن الروسي «دوستويفسكي» كما وعدتْ.. كله من هالاثنين «فان كوخ» «ونيتشه»!
اليوم الرابع:من أول من بدأ بالمعرفة الحضارية الموسوعية؟
في القديم انغلق الهنود على معارفهم، وطرائق تفكيرهم، وكذلك فعل الصينيون، وكذلك فعل أهل اليونان.. أول من بدأ بما يسمى الآن بأنثروبولوجي المعرفة، أو موسوعة المعارف هم العرب. أو أن الوسط العربي الإسلامي بعد القرن الثاني هجري. جاء ابن «المقفع» فوسّع آفاقَ العرب المعرفية مضيفاً ثروةً معرفية عظيمة من تراث الهند وفارس، ونقل إلى العربية كتبا مثل «خداي-نامه» أي «كتاب السادة» كما نقل كليلة ودمنة. «خداي-نامة» عرّفَ بطرائق حياة الفرس في طبقاتهم الارستقراطية وملوكهم، فدخل تراثنا العربي باسم جديد:» سيَرُ ملوك العجم»، وأتاح للمطلعين العرب معرفة حياة فارس وأنحاء من الهند – افغانستان الآن وشمال باكستان- قبل الإسلام. و»كليلة ودمنة» كان أنموذجا للقصص الرفيعة ذات المغزى البعيد، وثروة من الحكمة وتجارب البشر تلقاها الفكرُ العربي في أجمل ما يمكن أن تستقبل الأفكار. وللمقفع كتابٌ مغمور الآن، وكان شهيرا في وقته وأثر في طرائق التفكير في مجتمعات ذاك الزمن الثقافية وعنوانه «الصحابة» ففتح ابوابَ التفكير السياسي قبل ميكافيللي، ودعاهم إلى التفكير «الموضوعي» وليس البراغماتي أو المصلحي، كما في كتاب الأمير لميكافيللي، بشئون الدول والحكومات والشعوب والسلاطين. ولما تحدثت عنه بلقاء ثقافي في «يورك» البريطانية مع دارسي ماجستير راسلوني فيما بعد أن بحثوا بالكتاب وأجمعوا أن لا مقارنة بين كتاب «الصحابة»، وأمير ميكافيللي، والذي ترجمه من العربية للروسية والفرنسية والإنجليزية كاهن من أرثذوكس الناصرة بفلسطين!
اليوم الخامس:من الشعر الأجنبي بتصرف- انحني أيتها الأنوار المُعْتِمة
Only things of real beauty remain. فقط الأشياء الجميلة في هذا الكون تبقى In the face of glorious brightness, لتواجه السطوعَ المجيد all passing darkness fade away وكل اليالي المعتمة اختفت وانقضتْ all lesser lights bow down, وكل الإضاءات الخافتة تنحَّت منحنيةً to make way for the brightest light of al لتُفْسِحَ ممرّاً لأسمى أنوارِ الكونِ God's Grace penetrates all passing shadow فإن مجدَ الأنوارِ الإلهية تخترق كل أشباح الظلام all our little troubles وتمسح عن قلوبِنا وصدورِنا كلَّ مشاكلِنا الصغيرة and all the little riches we strive for. وتنير لنا دروبَ إثراءاتِ أنفُسِنا الصغيرة Only His light matters, فقط نورُ الربِّ هو كلُّ ما يهُم and once the Light of that beauty shines through, وعندما تشرقُ أنوارَ الجمالاتِ القدسية we forget all else, تنمحي عن ذاكرتنا كل ما عداها and we gain everything ثم.. نكسبُ كلَّ شىء that's worth living for. وذاك ما يجعلُ للحياةِ معنىً وقِيمة
اليوم السادس:هل «ابنة النور» حقيقية أم وهم شاعر؟
من الأستاذة «موضي الجريّن» هذا السؤال: «يا ابنة النور إنني أنا وحدي * من رأى فيكِ روعةَ المعبودِ» بيتٌ من قصيدة غزَلية لأبي القاسم الشابي، فهل حبيبته حقيقية أم من تخيلات الشاعر، فقد تضاربت بيننا الآراء». ذلك هو البيتُ يا موضي، ولكن القافية تنتهي بالدال المكسورة وليست الساكنة وجرّبي أن تفعِّلي البيتَ وستجدين أنه لا ينتظم بالسكون. هي من قصيدة في غاية الجمال والتأثير للشاعر التونسي الذي مات في ريعان الشباب وذروة العطاء «ابي القاسم الشابي». والقصيدة اسمها «صلواتٌ في هيكل الحب».. صح؟ طيب.. المعلومات التي عندي ليست مؤكدة، ولكن بعضها مما رُويَ عنه بعدة كتب من ملازميه وأصدقائه، وممن تخصص بالكتابة عنه، يقولون أن حبيبته حقيقية. ولما نقرأ في قصيدته هذه بالذات تجدين فيها لفح الصدق العاطفي الغائر في قلب الشاعر، تماما مثل قصائد «ليركه» الألماني لما أحب البنت المصرية «نعمت مختار»، ومات بسبب شوكة في زهرة قدّمها لها من حديقتها. وللمصري الشاعر والأديب «فاروق شوشة» كتابٌ اسمه: «أحلى 20 قصيدة حب» ذكر فيها أن «الشابي» كتب عن حبيبةٍ حقيقية، ومن الذي كتبه عنها « وتشير إليّ براحتها الجميلة الساحرة وبأناملها الدقيقة الوردية، ثم هاهي تقوم... « عاد الكلام الباقي ما ينقال يا موضي. وكتب شخصٌ جمَع مذكرات الشابي واسمه «محمد فريد غازي»، والكتاب عنوانه:»الشابّي من خلال يومياته» الآتي: « الشابي يتحدث عن حبيبةٍ حقيقيةٍ تعيش بالواقع، عرفها فأحبها وأحبّته.» وبرأيي- بلا مرجع أكيد- أنها هي الفتاة التي تزوجها. فالشابّي، وهذا ما لا يذكر عنه عادة، تزوج وأنجب ابنين، أعرف أنهما كانا يعيشان إلى فترة قريبة جدا بتونس، وارجو أنهما ما زالا. على فكرة تعرفين يا موضي ليه نسميه الشابّي؟ نسبة إلى بلدة «الشابّية» في تونس..
اليوم السابع:عملْتها بيّا.. يا ضرسي!؟
أرجو ألا يقرأها أحد: «عملتها يا مُرسي بيّا، فهي عملتها يا ضرسي!» الشاعر «محمود غنيم» لم ينل الشهرة الكافية، وكان مفتشا للغة العربية في مدارس مصر في خمسينيات القرن الماضي، شعره جميل.. فكِهٌ خفيفٌ إن مرَحَ وضحَك، وشعرُهُ مرير علقمٌ به دموعٌ وآهاتٌ إن حزَن أو صابه ضَيْمٌ. كان مرجعا في زمانه للغة العربية وآدابها ونحوها وصرفها ومداخلها وأسرارها، ولم ينافسه إلا مواطنه القدير الآخر «محمد خليفة التونسي».. وكلاهما تعمق في أعماق اللغة واستخرجا كثيرا من قوانينها وقواعدها، ثم قدموها مفهومة مبسطة للناس. شكا يوما من ضرسه، واقتلعه الطبيبُ فكتب شعرا ساخرا يلوم ضرسَهُ ويرثيه في آن، فيقول: صاحبٌ آويتُه خمسين عاما ما له في كَنَفي ملَّ المقاما؟ بين فكّي ولساني صنْتُهُ لم يَلُك إثماً ولم يمضَغ حراما كم و كم ذقتُ وإياهُ الطوَى حين لم نلقَ سوى الغثَّ طعاما لم تكن أول خِلٍّ عَقَّني بعدما ساقيتَه الودَّ مدَاما بضْعةٌ غاليةٌ من جسدي بيدي وسَّدتها أمس الرُّغاما دُفِنَتْ دون احتفالٍ ومضتْ لم يُرَقْ في إثرها الدمع سِجاما


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.