تعرفت أثناء دراستي في أميركا مطلع الثمانينات من القرن الماضي على زملاء دراسة إيرانيين سرعان ما أصبحوا من أعز الأصدقاء، كانت ثورة إيران، التي أسقطت الشاه في أواخر السبعينات، في أوج قوتها و تستحوذ على نقاشاتنا، كانوا من أشد معارضي هذه الثورة والتي سببت في انعزالهم، فلا هم يريدون العودة لإيران الملالي ولا هم يستطيعون تدبر أمورهم المعيشية والدراسية بسهولة، ولكنهم كانوا بارعين في التكيّف السريع مع واقعهم الجديد مستخدمين أسلوب التحايل والمراوغة و «التمسكن» على أنظمة الهجرة الأميركية. الآن وبعد ألف وأربعمائة عام أستطيع القول بأن الفرس والعرب أصبحا متعادلين» في إشارة تاريخية واضحة ليس لها مكان هنا!كنت صغير السن آنذاك و متحمساً ومنغمساً مع نظريات الحرية والعدالة والمساواة وإلى آخره من مفردات لها وقع السحر في آذان شاب مراهق، سياسياً على أقل تقدير، سيطر على فكري قناعة بأن هذه الثورة بداية لتصحيح الأوضاع في منطقتنا وكلما حاولت شرح وجهة نظري لهم كانوا يقاطعونني برد ثابت لم يتغير طوال صداقتي بهم «أنت لا تفهم شيئاً» الغريب في الأمر أنهم كانوا ينقلبون 180 درجة عندما يكون الحديث عن الحرب الدائرة أنذاك بين إيران والعراق، تجدهم صفاً واحداً متناسين عداءهم للثورة، أذكر أثناء توغّل القوات الإيرانية داخل الحدود العراقية صرخ أحدهم في وجهي مازحا و رازحاً «الآن وبعد ألف وأربعمائة عام أستطيع القول بأن الفرس والعرب أصبحا متعادلين» في إشارة تاريخية واضحة ليس لها مكان هنا! الآن وبعد أكثر من 30 عاماً، وبعدما كبرت سياسياً بعض الشيء، تبدلت قناعتي كلياً وأنا أراقب عن كثب ما يحدث للثورة ومن الثورة بأنها كانت ولا تزال تنظر للعرب بدونية شديدة لا تفرق بين شيخ وعلماني وليبرالي و معمم، الكل سواسية، ولا يرتقي العرق العربي بأي حال من الأحوال إلى العرق الفارسي، أما على المستوى السياسي فإيران الثورة، تسعى للهيمنة على المنطقة مستغلين أي أزمة ثقة طارئة ما بين شعوب المنطقة وحكوماتها في التدخل الفج ولا يمنعهم شيء من استخدام أساليب يبرع فيها الإيرانيون مثلما ذكرت في بداية المقال من تحايل ومراوغة وتمسكن! عندما أذكر هذا الكلام لبعض أخوتنا هنا وخاصة الليبراليين منهم، لا يختلف ردهم عن رد أصدقائي الإيرانيين قبل 30 عاماً «أنت لا تفهم شيئا». ربما لا أفهم أشياءً كثيرة ولكنني أفهم إيران جيداً، خاصة إيران الثورة! [email protected]