لا مبالغة في قولي إن الجبيلاويين كانوا دائمًا، ولا يزالون على ما يبدو، "في انتظار المفاتيح". العبارة "في انتظار المفاتيح" مقتبسة مما صرّحتْ به للزميل عطية الزهراني الأستاذة الفاضلة منيرة العنزي مديرة مكتب التعليم للبنات بالجبيل. وكانت الأستاذة العنزي تشير الى مفاتيح المدارس الجديدة التي اصدر الدكتور عبدالرحمن بن ابراهيم المديرس، مدير إدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية، قرارًا بنقل طالبات مجمع مدرسة الجبيل إليها بعد تكرر توقف الدراسة في المقر القديم. لا أدري إذا كان مكتب التعليم بالجبيل استلم مفاتيح المدارس الجديدة وقت كتابة هذه المقالة أو أنه لا يزال "في انتظار المفاتيح" التي تأخرت في إرسالها الخدمات الإدارية المدرسية المساندة بحسب تصريح الأستاذة العنزي. المهم واللافت للنظر في الموضوع هو توقف الدراسة ثلاث مرّات في الجبيل الأولى. شيء يثير الاستغراب والذهول حقًا، ولا يمنع ما قد تورده إدارة التربية والتعليم من أعذار طرح هذين السؤالين عليها بشأنه: أين كنتم عن مجمع مدرسة الجبيل الأولى؟ ولماذا تركتموها (وغيرها!!) تصل إلى هذه الدرجة من التداعي وسوء الحال؟ اللافت أيضًا أن انتظار الجبيلاويين للمفاتيح حالة قديمة جديدة، تجعل من الجبيلاويين أنفسهم حالة استثنائية في المنطقة الشرقية، والفضل في ذلك يعود لشركة أرامكو السعودية أولًا، ثم للهيئة الملكية في الجبيل وينبع ثانيًا. واللافت أيضًا أن انتظار الجبيلاويين للمفاتيح حالة قديمة جديدة، تجعل من الجبيلاويين أنفسهم حالة استثنائية في المنطقة الشرقية، والفضل في ذلك يعود لشركة أرامكو السعودية أولًا، ثم للهيئة الملكية في الجبيل وينبع ثانيًا. وسبب هذه الحال الاستثنائية هو أن الكرم «الأرامكوي» الذي تجلى في إنشاء المدارس في مدن المنطقة قصر عن الجبيل. غمر فيضه الظهران والخبر والدمام ووصل إلى صفوى ورحيمة ثم توقف. وظل الجبيلاويون يحلمون بأن يفيقوا ذات غبشة ليجدوا (طارش) أرامكو يدقّ أبواب مدينتهم ليسلّمهم مفاتيح مدارس لا مدرسة واحدة، لأنهم يظنون أنهم يستحقون مدارس كثيرة. كيف لا يستحقون، وهم الذين قطعوا المسافة من الجبيل إلى الظهران سيرًا على الأقدام ل(يكتبوا) في الشركة؟ كيف لا وهم يعيشون في مدينة يتمدّد بالقرب منها حقل البري؟ وكيف لا وهم الذين يستنشقون الهواء الآتي مثقلًا بالغازات المتصاعدة من حقول الشمال؟ كيف لا ومدينتهم مَن استقبل (فير تشايلد 71) في 1934، أول طائرة للمسح الجوي لمنطقة التنقيب عن النفط؟ وطال انتظارهم إلى أن بلغوا اليأس من مجيء "حامل المفاتيح الأرامكوي"، وأيقنوا أنهم لا يستحقونها، كما لم يستحقوا بناء أرامكو مستوصفًا صغيرًا بالكاد يُرى بالعين المجردة لعلاج أسر موظفيها بدلًا من تجشمهم عناء السفر بزوجاتهم وأطفالهم المرضى إلى رحيمة او الظهران. وانبعث فيهم الأمل ودخلوا في الانتظار من جديد لما رأوا الهيئة الملكية تقيم المباني الفارهة لمدارس الجبيل الصناعية وتحيطها بالصيانة التي لا مثيل لها. تفاءلوا بخير الهيئة الملكية ليجدوه، وما وجدوه، وربما لا يزالون في انتظاره، اعتقادًا بأنهم سيجدونه، ولو بعد حين كجزءٍ من تعويض عمّا فقدوه، رغم أن ما فقدوه لن يُعَوّض. فمن يُعَوِّضُ الجبيل عن جُبَيْلِها، الذي سُميت عليه، وكانت تتباهى به، وعن بحرها، الذي كان زنارًا من زرقة يُزَينُ خصرها؟ مَن يعيد البحر، ملعب أطفالها وبركة السباحة التي لا حدود لها؟ ضريبة التطور والتقدّم الصناعي والحضاري، سيقول قائل؟ الجبيلاويون واعون لذلك تمامًا، بيد أنها ضريبة ثقيلة، وتزداد ثقلًا عندما يرون الازدياد المستمر للمعجبين والمتغنين بجمال مدينة الجبيل الصناعية، والداعين الى استنساخها، والذين يشيحون بأعينهم عن مدينتهم، وربما يتعوذون من الشيطان الرجيم عندما يرد اسمها أو ذكرها. الجبيل البلد، او الجبيل القديمة، الجبيل التي لا يتغنى بها أحد، ولا يطالب باستنساخها أحد. الجبيل البلد/ القديمة مدينة المدارس الآيلة للانهيار، ومتكررة التوقف عن العمل، مدينة الشوارع المترعة بالمياه الملوثة والروائح المزكمة للأنوف. Twitter: @hotmail.com