يواصل صديقي الشاعر الجميل (عبد الوهاب ابو زيد) مشاركته في صناعة المشهد الإبداعي العربي، فبعد أن قدَّم قبل بضع سنوات ديوانا شعريا جميلا بعنوان (لي ما أشاء)، ها هو مجدَّدا يقدِّم عبر مؤسسة مشروع (كلمة) في دولة الإمارات العربية المتحدة، ترجمةً راقيةً للنسخة الانجليزية من كتاب (خزانة الشعر السنسكريتي).. هذا الشعر الذي يمثِّل جزءا هاما من تراث الهند الثقافي كما ورد في الكتاب. الترجمة الشعرية لا تقوم على نقل الدم من جسدِ لغةٍ إلى جسدِ لغةٍ أخرى، وإنَّما تقوم على نقل الروح من جسد إلى جسد آخر. وبما أنَّ نقل الروح بين جسدين مستحيلٌ، فإنَّ كلَّ ترجمةٍ لنصٍّ شعريّ تبقى محاولةً قابلةً للتطوير وليست حقيقةً نهائيةً مطلقة، كما أنَّها تمثِّل انعكاسا لثقافة المترجم وقدراته الإبداعية. وبما أنَّ الأستاذ (عبد الوهاب ابو زيد) شاعرٌ مبدعٌ، فقد تعامل بامتياز مع الروح الشعريَّة التي تتجوَّل في ذلك الجسدٍ اللغويّ الآخر، واستطاع أن يقبض عليها ويودعها ينابيعَ حبره التي تدفقت على مسافة (444) صفحة. الترجمة الشعرية لا تقوم على نقل الدم من جسدِ لغةٍ إلى جسدِ لغةٍ أخرى، وإنَّما تقوم على نقل الروح من جسد إلى جسد آخر. خذ مثلا هذا النصَّ القصير المعبِّر عن حالة إنسانية، بعنوان : الأيل الوديع (بسلامٍ، تقضمُ الأيائلُ الكلأ، فكلُّ ما تحتاجُ إليه هو ما تمنحه الغابةُ لها، ما من طمعٍ بالثروة، أو حسدٍ يمدّ ظلاله على أيامها، ولكن هذه ليست سوى بهائم، بينما نحن نتمتَّع بالحكمة). وفي نصٍّ بعنوان : أعجوبة، تتجلَّى الحالة أشدَّ فداحة (لقد منحتَني أيُّها الفقرُ قِوًى لا نظيرَ لها فقد صرتُ أرى العالمَ أجمعَ وما من أحدٍ يراني). هناك العشرات من النصوص القصيرة والنصوص الطويلة في ثنايا هذا الكتاب تصبُّ جميعها في مجرى النهر الإنساني العظيم الذي تشرب منه البشريَّةُ فنًّا وجمالا ومحبَّة. إنَّ الوهج الشعري الذي ينزُّ في صفحات هذا الكتاب يثبت لنا أنَّ معظم الأشعَّة الروحية استطاعت أن تعبر من خلال اللوح المعتم الذي يفصل بين اللغتين : الإنجليزية والعربية، وهذا يعكس لنا القدرة الإبداعية التي يتمتَّع بها الأستاذ (عبد الوهاب ابو زيد)، حيث إنَّ الجمال الفني والإنساني في الأصل يقابله جمالٌ فني وإنساني في الترجمة مساويا له في قيمته الشعرية. شكرا لمشروع (كلمة) برئاسة الدكتور (علي بن تميم)، وشكرا للشاعر المبدع (عبد الوهاب ابو زيد) على هذه الإضافة الكبرى إلى مكتبة الشعر العربي.