كما يستحضر الرسام دواعي الجمال وشواهد الأمكنة وملامح الشخوص وهو يحرك الألوان بريشته , تنقل الكلمات أيضاً صورا معبرة تحمل إلى المتلقي خيالات واسعة أبعد من حدود اللوحات وإطارات الصور و ألوانها. لذلك خلُد أدب الرحالة وظل مرجعاً في كل الثقافات ولغات العالم لما يصنع من صور ذهنية ناطقة عن الأماكن وعادات الناس وملامح حياتهم , في المغرب حملتُ أنا مهمة الإيطالي ماركو بولو الذي زار الصين في القرن الثاني عشر الميلادي وشجع على التجارة مع هذا الجزء من العالم ورغم أن أحدا لم يقابل أدبيات رحلته بالتصديق آنذاك إلا أن شواهد التجارة العالمية وحجمها مع الصين الآن يجعل العالم يستحضر دلالات السيد ماركو المبكرة , في مطلع الشهر الحالي كنت في مهمة في مملكة المغرب وتحديداً في مدينة أرفود بإقليم الراشدية شرق البلاد والتي تبعد عن العاصمة الرباط 700 كيلو متر حيث تخوم الصحراء الكبرى وواحات النخيل البكر. مهمتنا في ارفود النائية مشبعة بالاكتشاف وتبادل خبرات التنظيم وسبل الوصول بالمنتج إلى أسواق جديدة تدعم جهود الفلاحين المحليين وتوفر لهم العائد وضمان الاستمرارية , فتجربة المغرب الشقيق لتأهيل التمور جديرة بالدراسة والأخذ ببعض محتواها كانت الرحلة شاقة في مخيلتي سوى أن واقعها كان جميلاً ممتعاً ونحن نقطع المسافة مارين بالغابات و تنوع الطبيعة بين الصحاري والجبال والمراعي , كانت ارفود أشبه ما تكون في طبيعتها بالقرى النجدية والاحسائية هنا حيت طابع البناء وتداخل أشجار النخيل مع البيوت وتلك المجاري المتشعبة في أرض الواحة لنقل مياه الري كذلك طبيعة الناس البارز فيها الكرم والعفوية وملامح الوجوه ولباس النساء الشبيه بالعباءات المحلية , وصلنا النزل المخصص لمبيتنا في المدينة الصغيرة ارفود وهو واحد من أكثر من عشرة فنادق ومنتجعات يرتادها سنوياً القليل من العرب من هواة القنص البري بينما روادها في هذا المكان القاصي أعداد هائلة من هواة سياحة الصحراء من الأجانب , كانت الأجواء هادئة والسماء المعتمة سخية بالنجوم لترسم لناظرها لوحة فريدة بتشكيلات تغيبها غالباً أضواء المدن الصاخبة , مهمتنا كانت المشاركة باسم المملكة في الملتقى الدولي الثالث للتمور والتي تنتج المغرب منها سنوياً 100 ألف طن بينما تنتج بلادنا عشرة أضعاف تلك الكمية سوى أن المناسبة التي رعاها وزير الفلاحة هناك السيد عزيز أخنوش كانت تستهدف رفع قدرات إنتاج التمور إلى 160 ألف طن في العام 2020م مع تطوير نوعيات الإنتاج والتسويق من خلال التعاونيات العديدة والفاعلة هناك والتي تتولى تلك المهمة بجدارة وهو ما جلب المسوقين وأصحاب المعدات من كل دول العالم , فكان المهرجان في تلك المدينة النائية أشبه ما يكون بالعرس الكبير للتمور ليس في المغرب فحسب بل في كل العالم , وعليه كان جناح المملكة في المعرض والذي حقق المركز الأول قبلة للحضور لتذوق تمور المملكة مثل عجوة المدينة وخلاص الأحساء وسكري القصيم وغيرها من أصناف التمور هنا حتى إن كمياتنا المحدودة والتي التزمنا بنقلها لم تكن كافية لتذوق كل الزوار فللشحن ظروفه ولتلك قصة أخرى حول قصور التبادل التجاري العربي , مهمتنا في ارفود النائية مشبعة بالاكتشاف وتبادل خبرات التنظيم وسبل الوصول بالمنتج إلى أسواق جديدة تدعم جهود الفلاحين المحليين وتوفر لهم العائد وضمان الاستمرارية , فتجربة المغرب الشقيق لتأهيل التمور جديرة بالدراسة والأخذ ببعض محتواها . وقبل أن اختم مقالتي أود أن ابرز الدور الكبير لسمو ولي العهد الراحل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزير يرحمه الله ففي رحلة عودتنا من ارفود رغبت العودة بالطائرة اختصاراً للوقت فقد كانت ترافقني زوجتي أم فهد ولم يكن من سبيل إلى ذلك سوى مرافقة معالي وزير الفلاحة المغربي السيد أخنوش لعدم وجود طيران منتظم من مطار الراشدية التي تبعد عن ارفود 70 كيلو مترا , فصار أن رُتب لنا للعودة في طائرة الوزير بترحيب كبير واستقبلنا في مطار الراشدية بكل تقدير إذ أسر لنا مدير المطار « بأن المطار مطارنا « فسمو الأمير سلطان هو من ساهم في بنائه وهو صاحب يد معطاء على العموم في الراشدية هنا , أيضاً ونحن في مقاعد الطائرة استعداداً للإقلاع إلى الرباط كان أحد المنسقين يبحث عنا بين المرافقين لتسليمنا هدية رئيس المجلس الإقليمي للراشدية السيد محمد بلحسان وهي عبارة عن علبة فاخرة من تمور المغرب. Twitter @nahraf904