المرأةُ ، الأسطوريةُ، الخرافيةُ، المجهولةُ، مطموسةُ الملامحِ، التي تستوعب كلَّ النساء في داخلها، حضرت بتحريضٍ من العيد ومصاريفه، على ما يبدو، في بعض المقالات. حضرت بدورِ الزوجةِ، العبء المالي المرهق للرجل/الزوج، المثقل بأعباء مالية أخرى، والذي يحوي، بدوره، كلَّ الرجال في داخله. شعرت بالانزعاج وعدم الارتياح أثناء قراءتها؛ وسرعان ما تبلور ذلك الشعور إلى رغبة في الكتابة للتعبير عن رأيي فيما طرحته من أفكار وصور عن تلك (المرأة) الأسطورية. وهي، في الحقيقة، صور وأفكار يتكرر طرحها دون تعرضها للمساءلة والمناقشة. ما جذب انتباهي فيها، كما في غيرها، هو نزوعها الطاغي إلى تأنيث أو نَسْوَنَةِ الاستهلاك، حيث حَضرَ فيها، أو اُستُحضِرَ، مرتدياً قناعا هو وجه امرأة. إن تأنيث الاستهلاك، وعده ظاهرةً أنثوية، يفضي تلقائيا وعلى الفور إلى التبرئة الكاملة للرجال من تحمل جزء من المسئولية عن وجود الظاهرة واستفحالها واستمرارها، بالإضافة إلى إظهارهم في صورة المغلوبين على أمرهم، وضحايا للظاهرة. يؤرقهم ويرهقهم ،صعودا ونزولا، تلبيةُ رغباتِ واحتياجاتِ النساء الاستهلاكية التي لا تنتهي. إن تأنيث الاستهلاك، وعده ظاهرةً أنثوية، يفضي تلقائيا وعلى الفور إلى التبرئة الكاملة للرجال من تحمل جزء من المسئولية عن وجود الظاهرة واستفحالها واستمرارها، بالإضافة إلى إظهارهم في صورة المغلوبين على أمرهم، وضحايا للظاهرة. يؤرقهم ويرهقهم ،صعودا ونزولا. وهذا بالتأكيد تشخيصٌ للظاهرة غيرُ موضوعي وغيرُ دقيق لأن الاستهلاك ظاهرة سلوكية بشرية يشارك الرجال أو بعض الرجال في ممارستها. ويمكن عزو غياب حقيقة "استهلاكية" الرجال، واحتجابها عن الأنظار في الغالب، إلى تعدد أدوار النساء ومسئولياتهن الأسرية التي تضطرهن إلى التردد على الأسواق كثيرا لمتابعة الجديد ليس في الأزياء ومستحضرات التجميل فحسب، بل وفي ملابس الأطفال واحتياجاتهم الأخرى المتعددة، وفي احتياجات البيوت من أوان وكماليات وغيرها. لهذا فإن ما يبدو سلوكا استهلاكيا أنثويا فرديا، يستفيد من نتائجه وثماره أناسٌ كثيرون، إناثا وذكورا. يوازي النزوع إلى تأنيث ظاهرة الاستهلاك، نزعة التعميم، التي تتجلى أيضا، وفي الآن ذاته ، في استحضار المرأة الأسطورية التي تحوي كل النساء في داخلها، ما يجعل كلَّ امرأة كائنا استهلاكيا في طبيعتها، فإن لم تكن مخلوقة استهلاكية الآن، ستصبح مستهلكة شرهة في المستقبل. وفقاً لهذا التعميم ، يظهر الاستهلاك بصفته سلوكا أنثويا باثولوجيا لا مفر ولا خلاص منه. العنصر الأخير والمثير في هذا النوع من الكتابات هو وقوعها، بوعي أو بدون وعي، تحت تأثير الصورة السائدة المتوارثة عبر الأجيال: صورةُ الرجال المُعِيلين والمنفقين والنساء المُعَالات والمُعْتَمِدات كلياً عليهم. وهي الصورةُ التي توجز، عادةً، في الدعوةِ للرجال في ليالي الزفاف: "منك المال ومنها العيال". لا تزال هذه الدعوة تُقال على الرغم من خروج ِألوفٍ من النساء إلى العمل، إلى التعليم في البداية، ثم إلى الطب والتمريض والتخصصات الطبية الأخرى والهندسة، ولا يزال مجالُ عمل النساء في اتساع مستمر وإن ببطء. كان من النتائج الهامة لخروج النساء إلى العمل تهشيمُ هذه الصورة عبر إنفاقهن أو مشاركتهن في الإنفاق على أُسَرِهن، آبائهن وأمهاتهن وأخوتهن وأخواتهن، أو بمشاركة أزواجهن في الإنفاق على أطفالهن. وفي حالات غير قليلة، قَلَبْنَّ الصورةَ رأساً على عقب، بتوليهن معظم أو كل الإنفاق على أنفسهن وأطفالهن وحتى على أزواجهن في حال تفوقهن عليهم من ناحية الدخل. وقد شهد هذا المجتمع حالاتٍ عديدةً شاركت فيها النساء في بناء البيوت لأسرهن، وفي تزويج أشقائهن وغير ذلك من أمثلة الإنفاق التي تحطم الصورة التقليدية إلى حد يستحيل عنده ترميمها. وشهد، أيضا، تعرضَ بعضهن للاستغلال سواء من قبل آبائهن بتأخير تزويجهن للاستئثار برواتبهن، أو من قبل أزواج يتمتعون بالصرف على أنفسهم من دخلهن، مستغلين صمتهن بسبب حاجتهن إلى (الستر) والحفاظ على حياتهن الزوجية، أو لخوفهن من بعبع الطلاق. أعود للتأكيد أن الاستهلاك ليس ظاهرة أنثوية، وأن ألوفاً من النساء لسن أعباءً على أزواجهن. Twitter:@RashedAlkhaldi