غربة شديدة شعرت بها عندما دخلت حظيرة الأغنام لشراء أضاحي العيد، فالأغنام ليست هي الأغنام المعهودة، فكل واحد منها ينظر لك بطرف خفي وكأنه يقول : ( أيش عندك يا أبو الشباب ؟). وعندما تشجعت قليلاً وتوجهت لمعاينة إحدى هذه الأغنام التفت علي وهو رافع رأسه ، وكأنه يقول لي : « يا الحبيب عندك فلوس وإلا حرّك « وخروف آخر سمعت له صوتاً بعد معاينة أسنانه كأنه كان يقول : « موظف كحيان وفاضي وجاي يقضّي وقته علينا « حينها فكرت في الحيل الممكنة للفرار من هذا الوضع المحرج، فالأغنام أصبحت تعرف قيمتها جيداً، فالواحد منها أصبح يقارب سعره الألفي ريال، وقريباً سيتعدى قيمة الخروف الواحد قيمة واحد من أجود أنواع الهواتف الذكية، والأمر الآخر الذي دفعني للهروب هو أنني أخطأت في الذهاب إلى (حوش الغنم ) بثياب قديمة شبه بالية وكان من المفترض أن أذهب لشراء الأضاحي بكامل زينتي مرتدياً أحسن الثياب وكأنني في زيارة لمكتب واحد من أغنى التجار، وكان لزاماً علي قبل أن أذهب لشراء الأضحية أن أستعير سيارة فاخرة من أحدث طراز ، أستعيرها من صديق أو استأجرها من وكالة لتأجير السيارات ولو ليوم واحد للذهاب إلى (حوش الغنم ) كل ذلك حتى لا أتلقى نظرات الاستحقار من قبل تلكم الأغنام. ما رأيته في سوق الأغنام ظاهرة غريبة لم أكن معتادا عليها ، وكنت قبل أن أرصدها أظن نفسي واهماً ، لكن بسؤال من هم حولي وجدت أنهم جميعاً لاحظوا هذه الملاحظة الغريبة (الخرفان اللحين ما هي خرفان أول ) ، فالأغنام سابقاً تهرب منك جرياً حين تراك ، تنحني برأسها متذللة يكاد ذقنها يلامس الأرض تتجمع فيما بينها طلباً للدفء وطلباً للحماية. أما ما شاهدته هذا العيد فكان من جنس آخر غير جنس الأغنام ، فكل واحد من هذه الكائنات المدعوة بالخرفان أصبح يمشي مفرداً متثاقلاً متكبراً رافعاً رأسه تكاد أرنبة أنفه تلامس السحاب، ولست في هذا المقال في محل اللوم لأي خروف هجر التواضع واتخذ من الغرور داراً له ، ففي ظل هذه الارتفاعات السنوية المجنونة لأسعار الخرفان يصح لنا أن نقول لكل خروف : (يحق لك ) ، لكن يحق لنا أن نسأل من المسؤول عن هذه الارتفاعات المجنونة في أسعار الأغنام ، وقد نقول : إن هذه الارتفاعات طبيعية لولا حديث كثير متداول بأن هذه الارتفاعات في الأسعار غير مبررة، وسبق للزميلة جريدة الجزيرة أن نشرت في الأيام الفائتة تحقيقاً حول أسعار الأضاحي أشارت فيه لأحد تجار الأغنام يوضح فيه أن التكلفة الحقيقية للخروف النعيمي كمثال هي 600 ريال ويباع في السوق بمبالغ تزيد على 1600 ريال ، وهو ما يعني أن التاجر يبيع الأضحية بربح يزيد على 100بالمائة دون أي إحساس منه بخطيئة أو جشع في طلب الربح. نتمنى أن نرى تحركا أوسع وأشمل يتصدى للزيادات الفلكية في أسعار الأغنام، لعل وعسى أن نحظى في العيد المقبل بأسعار معقولة للأضاحي فلا يتكبر خروف علينا، ولا ينظر لنا آخر بنظرة دونية .. وكل عام أنتم بخير. تويتر : @mashi9a7