في هذه الأيام بالذات التي كثرت بها العصبية والتعصب، أود أن أحدثكم عن شاعر عظيم، بقلب عربي صميم، وبروحٍ متسامحةٍ محبة. كثير منكم لم تعرفوه، وبيقيني لما أتكلم عن بعضٍ منه ستحبونه، وتترحمون على أيامه، وقصده ومراده. هو شاعر يسيل منه الشعر كما تنساب الجداول رقيقة بعد هدر الشلالات، وكانت له صفة ترفعه إلى أعلى منازل الإخلاص والصدق، والإكرام، وهي إيمانه بقوميته العربية وافتخاره الشديد بضميرها «الإسلامي». وربما تتساءلون لم وضعت اسمه بين شارتين صغيرتين؟ لحظة وأخبركم.. لكن بعد أن أكشف لكم عن معلوماتٍ عنه أو أن أستعرض معكم شيئا من شعره. كان مفهومه الذي يتشبث وينادي به أن الوطنية لا تقوم إلا على العروبة، ولا عروبة إلا بالإسلام الجامع بين مختلف الطرق والفروع وشعاره، نقلا عنه: «الوحدة العربية تحت ظل رسالة النبي العربي، والقرآن الكريم». وفي قصيدته (المشرقية) هذه الأبيات عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ويا أبناء العرب، هل أصاخت ضمائركم بتأنيب الندي فحول الكعبة العظمى نجوم تطالعكم من الليل الدجي ولم يكُ مجدُ ذي القرنينِ إلا حقيرا عند مجد يعربي ويندب الحال الإسلامي العربي فيقول: الشامُ يقهرُ والعراق يُضامُ فاليوم لا عرب ولا إسلامُ. والشاعر هذا من لبنان أيام زمان في آخر سنة من القرن التاسع عشر أرسله أبوه مراهقا إلى مدرسة عربية فرنسية فلفت نظر معلميه وهو صغير شاعرا مُجيدا بالعربية والفرنسية، وفي شبابه هاجر للأرجنتين وبقي بها سنينا، ثم استقر مدة في الأورغواي، والمدة الباقية في البرازيل فأتقن الأسبانية البرتغالية. إنه الشاعر إلياس عبدالله طعمة المسيحي الذي اهتز عند قمة «كوركوفادو» -أعلى جبل في ريو دي جانيرو، وعليها تمثال يسوع المسيح الشهير العملاق مادا يديه كأنه سيضم المدينة- وأعلن إسلامه بالشهادتين فخورا، وغير اسمه من إلياس إلى أبي الفضل الوليد. وقبل وفاته في العام 1941م تنهد قائلا: على عمرانها الدنيا خرابُ ومع قُمريها ينعى الغرابُ فدعها غير مأسوفٍ عليها، فأولها وآخرها ترابُ في ذاك الزمان لم يحتج لبنانيُ واحد ولا مسيحي على انتقال إلياس لدين الإسلام.. يا ألله ما أروع تلك السماحة بذاك الزمان.