صراعات الأجيال أمر واقع لكنه بات مزعجا ومعطلا للتقدم والتطور وإشغال الناس بسجالات شخصية الرابح فيها خاسر. تعدت صراعات الأجيال إلى المهن والهوايات وصار التراشق علنيا عبر وسائل التواصل بعد أن كان حبيس المجالس الخاصة والمكاتب المغلقة، حيث يعتقد البعض أن تصدره المشهد في يوم ما يعني مكانة أبدية وحتى قيام الساعة، ويغفلون أن مكانتهم التي اكتسبوها تحتم عليهم جهودا أكثر، فالوصول للقمة صعب والأصعب الحفاظ عليها. بفترة تدريبي للزمالة الطبية كطبيب مقيم تحدثت أمامي مشرفة التدريب عن سبب تقييم منحته لإحدى الزميلات الغاضبات فنفس هذه المشرفة قيمت زميلتي بممتاز في السنة الأولى من تدريب التخصص، والآن قيمتها بعد ثلاث سنوات من التدريب بتقييم أقل بكثير، كان مبرر المشرفة نعم كانت زميلتنا ممتازة وهي في السنة الأولى بالنسبة لخبرتها، ولكن الآن وقد اكتسبت ثلاث سنوات من التدريب والخبرة لكنها لم تتطور عن ما كانت عليه ولذلك فمن الطبيعي أن تقيم أداءها وفق سنوات خبرتها. بملتقى ثقافي التقيت بمجموعة من كاتبات الرأي السعوديات الرائدات اللاتي تصدرن المشهد في وقت ما لقلة العرض بسبب العادات والأعراف الاجتماعية، فوجدن ترحيبا ودعما من قبل رؤساء التحرير في الصحف للكتابة وبالتالي تصدر المشهد الثقافي لذلك الزمن، وذلك قبل تصدر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت كلمات في تغريدة بتويتر، أو مقطع في السناب شات أو فيديو قصير في اليوتيوب يصل لآلاف، بل ملايين المتلقين وبتفاعل ملموس بين الملقي والجمهور. سألتهن عن حساباتهن في التواصل الاجتماعي فأخبرني بعضهن أنه لا يوجد لهن أصلا حساب في التواصل الاجتماعي والبعض الآخر أخبرني بأن حساباتهن خاملة، وذلك تجنبا للسجالات المباشرة مع المختلفين في الرأي وحتى لا تحسب عليهن آراؤهم ومواقفهن من القضايا الساخنة، وكذلك ليحافظن على صورتهن التي اكتسبنها في الريادة الإعلامية والثقافية، احترم رغباتهن بالطبع فلهن مطلق الحرية والاختيار، ولكن من الطبيعي أن ينساهن الجمهور وأن يتوجه للأقرب له وصولا وتفاعلا. ذلك الموقف جعلني أتأمل في إحدى صور مقاومة التغيير حولنا كانت من جانب الإعلام والثقافة، أو الطب، أو غيرهما من المجالات حتى المجتمعية والتطوعية بما في ذلك الوجاهة الاجتماعية، حيث تصدر البعض المشهد نتيجة فرص تحصلوها لا يشترط أن تكون من استحقاق وتميز ولكن لربما من عرض وطلب وتوفر الفرص، وعوضا عن استخدام ماحباهم الله من فرص في إفادة المجتمع ووطنهم الذي منحهم الفرصة، إلا أن غلبة النوازع الشخصية والمصالح الخاصة لإزاحة المنافسين بالتقليل من شأنهم وإنجازاتهم والتشكيك بدوافعهم عوضا عن استثمار ما نالوه من مكانة في عكسه إيجابيا ليخدم العباد والبلاد. الأسبقية تعني الريادة لكن لا تفترض الجدارة ولا الكفاءة خصوصا عند الوفرة والطفرة، والمصلحة العامة في ظل الرؤية الوطنية تضعنا في مركب واحد لنسير مع قيادتنا فيه شاخصين بأنظارنا للمستقبل وليس الانشغال بحروب داخلية على مكانة لو دامت لغيرك ما آلت إليك.