يمكننا الحكم على المجتمعات ومدى أصالتها في تحقيق إنجاز حضاري من عدمه حين ننظر إلى النشء والشباب، فبصفتهما أركان المستقبل القادم وكذا جزء من الحاضر، فإن الاهتمام بهما وتوفير مناخ صحي لهما هو دلالة أكيدة على استحقاق هذا المجتمع أن يثمر في الأخير عن إنجاز حضاري يليق به. وهذا بالفعل ما قدمته رؤية المملكة 2030 التي ركزت في جل تفاصيلها على كيفية انتقال المملكة من الاعتمادية الكبرى على شيء واحد ألا وهو النفط إلى فكرة الاعتماد على مصادر دخل متعددة، وفي طريقها إلى بناء هذا الواقع القادم أدركت الرؤية حتمية تغيير المجتمع إلى حالة من الانفتاح والإقبال على الآخر، فضلًا عن حالة تعليمية رائدة تتناسب مع عظم هذه الأهداف، وذلك بالفعل هو الطريق! نعم، إننا نبني الواقع ومستغرقون جدًا في تفاصيل الحاضر، لكن قلوبنا وأعيننا على المستقبل وعلى أبنائنا، وكيف نُعبّد لهم طريقًا يسيرًا يمرون من خلاله إلى أفضل الحالات، ليكملوا من خلفنا مشوارًا ممتدًا تمنينا لو أننا أكملناه. إن الأمم في نهضتها لا تقوم على شيء مثلما تقوم على العلم، حين يخرج من وسطنا علماء يشيدون مراكز بحثية عالمية تقدم للعالم علاجات لأمراض مستعصية أو تتوصل لأدوات برمجية أو اختراعات استثنائية تساهم في إفادة البشر وتيسير حياتهم، إن كل هذه الأحلام تبدأ من التعليم وحقله الخصب. إننا نحتاج إلى تعليم لا يُنمّط الإنسان وإنما يحمله إلى مساحات حرة من التفكير والإبداع، وتلك معادلة تكاملية لا يجب أن ننظر فيها إلى الحكومة فقط ونلقي عليها كامل المسؤولية، نعم على الحكومات وضع الخطط وتوفير المرافق والأدوات وتأهيل المعلمين وتوفير البيئة الصحية الملائمة، لكن بجانب ذلك يجب علينا كمجتمع أن نتلاقى مع كل هذا عبر غرس روح العلم والابتكار في أبنائنا، ومساندتهم ودعمهم معنويًا وعمليًا على مدار سنوات تعليمهم. الابتعاث إلى الخارج هو مرحلة مهمة في تاريخنا العلمي الحديث، حيث الاستفادة من تجارب الغير ونقلها بما يتناسب مع مجتمعنا فضلًا عن اكتساب الخبرة والاطلاع على أحدث ما توصل إليه الآخرون، لكن لا نود له أن يمتد إلى الأبد وإنما يكون في حدود كونه مرحلة مؤقتة تنقلنا إلى مرحلة أخرى يكون فيها التعليم السعودي مستقرًا ثريًا لأبنائنا. وبنظرة سريعة على ميزانية البحث العلمي نرى أنها تقع في المرتبة السابعة والثلاثين عالميًا، ففي عام 2017 على سبيل المثال بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي على هذا القطاع نحو 6.75 مليار ريال، وهو مبلغ ضخم إذا ما قورن بالدول العربية مجتمعة، والتي ينفق على البحث العلمي فيها نحو 20 مليار ريال فقط، رغم ضخامة المبلغ فإن المستقبل يبشر بالكثير فيما يخص البحث العلمي، ومن هنا فإن الدعوة حاضرة في سبيل توفير ذلك المناخ الصحي الذي يستحقه أبناؤنا، مناخ يكون التعليم وجودته في مقدمة اهتماماتنا جميعًا.