تكثر الأمثال الشعبية في بلادنا، قل في جزيرة العرب قاطبة. وتدخل في أغلب مفاوضات العامة وفي شؤونهم الاجتماعية، وكنت أعرف رجلا -رحمه الله- يبيع الماشية، ويُقحم الأمثال في «لقاءاته التفاوضية» لدرجة لا تجعل كل عملائه يفهمون المقصود. البير وغطاه التي جاءت هنا كعنوان تفتقد المعقولية، فلا يوجد شيء اسمه غطاء البئر في القصص والأدبيات ولا حتى في كتابات أخبار وقصص أهل الحرث والرعي والترحال. وكذا الاستعمال المنزلي للآبار لم نكن نعرف «غطاء البئر» لأنه لا يوجد قبلُ أو حاليا. وشرح المثل أعلاه: تقول للسامع: إنك تعرف الظاهر والمخفي من الموضوع لأنك من العائلة أو من المقربين منها، فلا تحاول أن تطلب ما لا يوجد لدينا وأنت تعرف أنه في حقيقة الأمر غير موجود. لكن لماذا أورد قائل المثل البير والغطا هذا ما لا أعرفه. أقول لعل هذا المثل وفد إلينا من بلدان مجاورة، فيها تُغطى الآبار بغطاء محكم للسلامة والنظافة أو خوفا أن ترتمي بها الدواب فيفسد الماء ولا يصلح للري ولا للسقيا. وعندنا اسم آخر للبئر وهو «القليب» ويقول لسان العرب إنها فصحى وتعني البئر، قبل أن تُطوى، فإِذا طُوِيت، فهي الطوِيُ، والجمع القُلُبُ. والجمع بالعامية «قلبان» وقيل: هي البئر العاديةُ القديمةُ، التي لا يُعلم لها رب، ولا حافِر، تكونُ بالبراري، تُذكر وتؤنث، وقيل: هي البئر القديمة، مطوية كانت أم غير مطوية. المفردة فيما يبدو استحقت إدخالها في مثل شعبي يقول: الذيب بالقليب. وإذا ورد هذا المثل على لسان أحدهم فهو يعني أن الخطة انكشفت وأصبحت معلومة لدى رجال الضبط والقانون. أو أن في إتمام الموضوع مخاطر، وهذا المثل أيضا يفتقر إلى الدقة، فهو إيحاء بالأمان، حيث إن خطر الذيب غير وارد إذا كان في البئر (القليب). وأرى أمثالا كثيرة في الإنجليزية تشترك مع أمثال عربية جزئيا أو كليا، وهي إما توارد أفكار أو اقتباس من ثقافة الآخر. وأورد بعضا منها: (ضربت عصفورين بحجر: Kill two Birds with one stone) (ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة: Easy come.. easy go) (الهدوء الذي يسبق العاصفة: The calm before the storm). ونجد الكثير من الأمثال في جزيرة العرب مقتبسة من القرآن الكريم أو من قصصه مثل: على هامان يا فرعون، أو: ما على الرسول إلا البلاغ. وقد يختلف النص الحرفي لكن المعنى يبقى. تجد في كتاب الله مثلا يطابق قول (كما تدين تدان) وهو قوله تعالى: «من يعمل سُوءا يُجز بِه» النساء 123.