كانت زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى العاصمة الإماراتيةأبوظبي يوم الأحد (3 فبراير 2019)، والتي جاءت بناء على دعوة من ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للمشاركة في مؤتمر عالمي للحوار بين أتباع الأديان «لقاء الأخوة الإنسانية» الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين، ويشارك فيه شيخ الأزهر أحمد الطيب وعدد كبير من الشخصيات الدينية التي تمثل 12 ديانة وطائفة من مختلف أنحاء العالم، تعد بحق زيارة تاريخية، والأولى من نوعها إلى منطقة الخليج العربي، بهدف تفعيل الحوار حول التعايش بين أصحاب الأديان. وهي تعد الزيارة السابعة للبابا فرانسيس لدولة تقطنها أغلبية مسلمة بعد تركيا والأردن ومصر وبنغلاديش وأذربيجان والأراضي الفلسطينية، والتي تعبر عن عمق الاقتناع السياسي بضرورة رسم مسارات التسامح بين المجتمعات والأديان. وهذا المؤتمر العالمي هو فرصة تاريخية لإيجاد منصة فكرية رائدة للتباحث وطرح المبادرات الرامية إلى تعزيز احترام التنوع المثمر للثقافات والاختلاف، والعمل على بناء شراكات خلاقة تستند إلى قيم التسامح والتعددية، وإقامة جسور التقارب الإنساني والحضاري والثقافي. ودولة الإمارات باحتضانها هذا المؤتمر العالمي ودعوتها لرموز الشخصيات الدينية في العالم، ترسل رسالة واضحة للعالم بأنها «عاصمة التسامح» والتعايش السلمي في العالم، عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب؛ لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة. إذ تحتضن على أرضها ما يفوق 200 جنسية بمختلف ثقافاتها ودياناتها، يعيشون في وئام وانسجام. كما أن بإطلاقها عام 2019 عاما للتسامح انتقلت من مرحلة اعتبار التسامح مجرد قيمة إنسانية إلى مرحلة جديدة تمثلت في «حوكمة التسامح» وعمل مؤسسي مستدام عبر إنشاء مؤسسات تعنى بهذا الجانب، مثل استحداث منصب وزير دولة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات وفي العالم؛ بهدف دعم موقف الدولة نحو ترسيخ قيم التسامح، والتعددية، والقبول بالآخر، أو اعتماد البرنامج الوطني للتسامح، أو تأسيس مراكز لمحاربة التطرف، أو طرح تشريعات تهدف إلى تعزيز قيم التسامح الثقافي، والديني، والاجتماعي، مثل إصدار قانون مكافحة التمييز والكراهية، فضلا عن إطلاق مبادرات جمّة، تستهدف توطيد روابط الأخوة الإنسانية بين الشعوب مثل إطلاق اسم مريم أم عيسى «عليهما السلام» على مسجد الشيخ محمد بن زايد في منطقة المشرف، وذلك ترسيخا للصلات الإنسانية بين أتباع الديانات والقواسم المشتركة بين الأديان السماوية، أو تسمية أجمل جسر مشاة في إمارة دبي على القناة المائية الجديدة بجسر التسامح. كما أن جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمية تعتبر من أبرز الجوائز التي تتجلى فيها معاني التسامح والاعتدال، فضلا عن دورها في خلق قنوات للتواصل مع الشعوب كافة؛ تعزيزا للعلاقات الدولية، وتحقيقا للسلام العالمي. وتبرز أهمية هذه المبادرات نحو ترسيخ قيم التسامح الديني في زمن بات العالم كله في أمس الحاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى، في ظل مرحلة تتسم بتزايد النزعة القومية والانعزالية وانتشار نزعات التطرف والكراهية والإرهاب في جميع أنحاء العالم. وأخيرا يمكن إجمال أن التحدي الحقيقي الذي تعيشه المنطقة والعالم هو كيفية تنظيم العلاقة بين ثلاثية الدين والدولة والسياسة وحل معضلة تسييس الدين وتديين السياسة، وتحييد هذه الجماعات أو الدول التي تحاول إشعال الفتن الطائفية أو الدينية مستندة إلى نصوص دينية أو تفسيرات فقهية أو حرفية لتبرير إرهابهم وقتلهم، بحيث نصل في نهاية المطاف إلى التوافق بين مكونات المجتمع وتحقيق السلم الاجتماعي، ليسهل الانتقال إلى مرحلة المواطنة وتكوين وعي وطني حقيقي وتحقق الاستقرار اللازم للتنمية والتقدم.