اقتنعت بمقولة مينوش شفيق، مديرة كلية لندن للاقتصاد «أنه في الماضي كانت الوظائف تتطلب العضلات وفي الحاضر تتطلب العقل ولكن في المستقبل سوف تتطلب القلب». وإن كانت تتكلم عن المستقبل إلا أنني بدأت استشعار أهمية المشاعر والقيم في العمل بشكل واضح. عندما نتحدث عن العمل نتوقع من الموظفين الاحترافية والانضباط والإنجاز وإدارة الوقت ومهارات التواصل في الغالب، وعندما نريد المزيد نتحدث عن الإبداع والتفكير خارج الصندوق والمبادرة. مهارات وسمات شخصية تجعل الموظف مرغوبا ومتناسبا مع احتياجات بيئة العمل. مع هذا كله نتنصل من المشاعر في العمل على الصعيد الرسمي؛ كونها نادرا ما تؤخذ في عين الاعتبار على مستوى مؤسسي. فنتشبث بمؤشرات الأداء والإستراتيجيات وننسى الإنسان خلف ذلك كله. في المقابل لاحظت أن الكثيرين يتوقعون من وظائفهم أكثر من الراتب في نهاية الشهر. فنحن نقضي ساعات طويلة في العمل مع الزملاء والأصدقاء أحيانا، ونقوم بأعمال تتفاوت بالأهمية. بعضها يترك فينا إحساسا بالفخر والرضا، بينما الآخر يستنزف طاقاتنا في ما لا نرى به فائدة. بعض الوظائف تلهمنا وتجدد حماسنا، بينما الآخر يقتلها في بيئة سامة ومتعبة. أحد مسببات هذه السمية في العمل هو تغلغل الإحساس ب«العار» كما تقول الباحثة بريني براون (Brene Brown) في كتابها (Dare to Lead). تتناول الكاتبة ثقافة بيئات العمل وتبدد الأساطير الشائعة حولها، مؤكدة أهمية المقدرة على إظهار الضعف والقيم والثقة والمرونة للنجاح. تعرف براون العار على أنه «شعور أو تجربة مؤلمة للغاية للاعتقاد بأننا معيوبون وبالتالي لا نستحق الحب والانتماء والاتصال.» فما علاقة ذلك بالعمل؟ إن الاتصال بالآخر والانتماء والأمان النفسي مهم جدا للإبداع والتطور والنمو الوظيفي. بل إن ذلك شبه مستحيل في ظل سيطرة العار. العار يظهر في العمل بصيغتين.. الأولى: الاعتقاد بأننا لسنا جيدين بما فيه الكفاية، والثانية: ذلك الصوت الداخلي الذي يقول «من تعتقد أن تكون؟» كلاهما يظهر كنقص في قيمة الإنسان وتشكيك في القدرة والأهلية عند الشخص الواحد، ولكن عندما يتغلغل العار في ثقافة العمل فإنه يظهر - بحسب براون - على هيئة التالي: السعي للكمال، المحسوبية، النميمة، المقارنات، ربط قيمة الإنسان بإنتاجيته، التحرش، التمييز، التسلط، التنمر، الملامة، الاستهزاء والتستر. عندما تتفشى هذه الظواهر فإن ردة الفعل الطبيعية تكون بالانغلاق وحماية الذات والانخراط في نفس الأسلوب مع الآخرين. فبالرغم من إحساس البعض بالعار بين الحين والآخر، وكونه من المشاعر الرئيسة بحسب الباحثين، إلا أننا قلما نتحدث عنه وبذلك نزيد من تأثيره السلبي. إذا ما الحل للخروج من هذه المنظومة التي تعزز لسلبيتها؟ الحل يكمن في التعاطف - بحسب براون - وذلك من خلال عدد من الأساليب وهي تبني منظور الآخر، وعدم إطلاق الأحكام، وتفهم مشاعر الآخرين، والتعبير عن ذلك، والحضور الذهني. الاهتمام بالإنسان ومشاعره له فوائد شخصية وعملية. إن كانت ثقافة العار مسيطرة فإن علينا الاجتهاد في تغييرها من أجل المستقبل.