حوادث السيارات مشكلة من المشاكل التي تواجهها مختلف الدول باختلاف نسبي بين دولة وأخرى، سواء من حيث عدد الحوادث وأسبابها أم النتائج والخسائر المترتبة عليها وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، حيث تزيد الخسائر في بعض المجتمعات عن غيرها في نسبة ما تسببه من تبعات على الاقتصاد الوطني. ففي المملكة مثلا، ورغم انخفاض عدد الحوادث في الربع الأول من العام 1439 مقارنة بالربع الأول من العام الذي قبله بنسبة 15% وكذلك انخفضت بالتالي أعداد المصابين في هذه الحوادث بنسبة بلغت 8.5% تقريبا، إلا أن أعداد الحوادث والمصابين والوفيات ما زالت من أعلى المعدلات عالميا، وهو ما يستدعي التأمل والمراجعة والبحث عن الأسباب ووضع الحلول التي تكفل مزيدا من الانخفاض في عدد الحوادث، إن لم يكن القضاء عليها نسبيا، ولا أقول كليا، لأن ذلك قد يبدو مستحيلا، خاصة وأن كثيرا من الإجراءات والبرامج التي نفذت في كافة أنحاء المملكة ينبغي أن تؤدي في الأحوال العادية إلى تحقيق الهدف الذي صرفت من أجله الجهود والأموال والوقت وسخرت الإمكانيات وهو سلامة المواطنين والمقيمين، بل حتى الحجاج والمعتمرين والمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم، ومن ذلك شبكات الطرق السريعة وتشديد المخالفات المرورية والمراقبة الإلكترونية للسائقين والمركبات، وكلها من الوسائل الكفيلة بتقليل الحوادث وأخطارها. وهناك جانب مهم لابد من أخذه بعين الاعتبار عند البحث عن أسباب ارتفاع أعداد الحوادث غير الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات حاليا، هذا الجانب الذي ينبغي الانتباه إليه هو الثقافة المرورية وهي في تعريف بسيط سلوك قائد السيارة أثناء ممارسته القيادة على الطرق، خاصة وأن جميع الإحصائيات تقريبا تفيد بأن السرعة كانت السبب الأول في معظم الحوادث المرورية على اختلاف أوقات حدوثها وأمكنة حدوثها كذلك. حيث أكدت بعض هذه الدراسات أن حوالي 70% من حوادث السير في المملكة سببها تهور السائقين، ما يؤكد العلاقة بين ثقافة السائق ومستواه العلمي والثقافي ووعيه المروري وبين حوادث المرور، وهذه الثقافة تعني التزام الفرد بالنظام العام للمجتمع دون حاجة إلى رقيب بشري كما كان سالفا أو إلكتروني كما هو معمول به حاليا من خلال نظام ساهر المثير للجدل أحيانا، لأن هذه الثقافة تحدد نمط القيادة الذي يسير عليه السائق أثناء ممارستها، ومن هذه السلوكيات السرعة كما قلنا، إضافة إلى عدم كفاءة السائق، وعدم التقيد بأولويات المرور، والانعطاف الخاطئ، والوقوف الخاطئ، أو قيام السائق بقيادة مركبته في ظروف نفسية أو صحية ليست مناسبة، وكل ذلك مرتبط بثقافة السائق ووعيه وإحساسه بخطورة ارتكابه مثل هذه المخالفات وغيرها. إلى جانب أن انخفاض المستوى الثقافي والوعي المروري لدى السائق قد يجعله يتصرف بلا مبالاة وعدم إحساس بالمسؤولية، خاصة أولئك الذين يصل بهم الأمر إلى ارتكاب مخالفات قاتلة دون داع مثل قطع الإشارات الحمراء والسير عكس اتجاه السير والتجاوز الخطر، تؤكد ذلك أيضا الدراسات التي قامت على تحليل إحصائي لأعداد الحوادث ومرتكبيها في المملكة والتي أظهرت أن السائق السعودي المتعلم أقل ارتكابا للحوادث من غيره، باعتبار المتعلم لديه إلمام بقواعد المرور وأنظمة السير أكثر من سواه، فيما تؤكد دراسات أخرى أن عدم الامتثال لقواعد المرور وسلامة السير هو سلوك عفوي ومصدره ضعف التأهيل والاستعداد لاندماج الفرد غير المتعلم في النظام الحضري، وهو ما تقوم به المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية في المجتمع بما في ذلك المؤسسة التعليمية، فهل تدفعنا هذه الأرقام والنتائج إلى إعطاء الثقافة المرورية للسائقين الأهمية التي تستحقها وكيف؟.