احتفل الإذاعيون يوم أمس ب«يوم الإذاعة» العالمي، وهو يوم ذكرى بدء إذاعة الأممالمتحدة عام 1946. في الدمام بادرت الزميلة خديجة الوعل، الإذاعية الشهيرة، وزميلتنا في «اليوم» سابقاً، بتنظيم حفل «أثير السعودية» جمع مذيعين وإعلاميين. وكانت مناسبة ذات شجون، إذ مبادرة الوعل، تعطي للموضوع نكهة أخرى، وهي الولاء الأبدي للمهنة، والوفاء ل«الميكرفون» الذي حمل صوتها، وأصوات زملاء آخرين، في تموجات الأثير، عابراً الجدران والصحاري وذرى الجبال والسماوات، إلى كل منزل وكل «أذن» يصلها مداه. في الإعلام، الولاء المهني الحقيقي لا يصطنع، إنما يتحد بالأنفاس والأمشاج وفيض الروح، لهذا الصحفي (والإعلامي) المهني، يشكل ولاءه بالتطوير الذاتي والتمكن الأصيل من ثقافة المهنة ومتطلباتها، بعكس الإعلاميين «العابرين» الذين يمارسون المهنة مجرد كونها وظيفة، وإذا انتهت منافعها يصابون بالخمول والكساح ويتلاشون في غبار الزمن. وكانت المناسبة أيضاً تذكيرا بأصوات لا تزال تسبح في الفضاء وسماوات الخلود، شاركت الناس (وشاركوها)، لحظات لا تنسى، من الذي يبث همومه، وأيضاً سروره، في روع المذيعين وأفئدتهم، ويشاركونه المواساة والسلوى أو البهجة، إلى الذي يحتفي بمعلومة جديدة غرستها أصواتهم ومضة في الفكر، أو تقدم إجابة، بلا موعد، لسؤال يعلق في الذاكرة. أذاعَ بِهِ فِي الناسِ حَتَّى كأنّه بعَلْياءَ نارٌ أُوقِدَتْ بثُقوبِ (أبو الأسود) يقول الدكتور إبراهيم الحمود: السمع ينشأ لدى الجنين في الأسابيع الأولى من الحمل (...) وتقدم السمع على البصر في 160 موضعا في القرآن. في كتابه «تفسير الروح والريحان» يقول الشيخ محمد الهرري: السمع مقدم على البصر، لأن السمع «شرط النبوة». وقال ابن قتيبة: «إن الله فضل السمع على البصر حيث قرن بذهاب السمع ذهاب العقل». والأذن لا تنام ولا تتوقف طوال الحياة. كل هذا يجعل من الإذاعة والمذيعين، مؤثراً مستمراً وحاضراً، في ذهن الإنسان سابقاً وحاضراً ولاحقاً. بقي أن يستمد المذيعون والإعلاميون الجدد، من أسلافهم، روح المثابرة، ولا يتأتى ذلك إلا بالتطوير الذاتي، واستلهام التجارب الناجحة، فالمذيع، لم يعد الصوت الشجي، والتمكن من اللغة فقط، بل الإعلام اليوم، مهنة صحفية، متعبة جداً لمن يتطلع لعناق نجومها، وأكثر من مجرد تنظير في المقاهي، وأكثر من التباهي بالشهرة، إذ تتطلب المهنة الإلمام ب«عدة» علوم، مثل: الصحافة والاتصال، وفنون اللغة وكفاية الأسلوب، والثقافة العامة الواسعة، والثقافة المتخصصة الوفيرة، و«الأخلاقيات المهنية»، التي مع الأسف لا يأبه لها كثير من الإعلاميين العرب، ثم «ثقافة الخبراء» وهذه الأخيرة يحتاجها الإعلامي حينما يتناول موضوعاً محدداً، إذ يتعين أن يجتهد في معرفة كل دقائق الموضوع وتاريخه وجوانبه ومؤثراته ولغته ومصطلحاته ومحاذيره وعلاقاته، كي يقدم معرفة وتنويراً حقيقياً ثرياً. كثير تخلد أصواتهم في آذاننا، وأتذكر بهذه المناسبة، الزميل سعد الجريس، الذي امتزجت روحه بأثير الإذاعة في الدمام، عشقاً وعملاً وجهداً، ومنحها أغلى الوفاء والعطاء، وغيره كثيرون عشقوا الميكرفون، وبادلوه بهجة تمتزج بسديميات الأثير الواسع المديد. *وتر صوت بمد البيد الواسعات.. وأفراح الديدحان.. وشذى فياض الشيح إذ النوارس تطوف شطآن البحور وضفاف الماء.. وإذ الصوت، كأجنحة العقبان، يعانق كرائم الغيوم وسمو الأعالي.. [email protected]