لاشك أن مستقبل التعليم رهن بمدى استفادتنا من هذا العملاق الدماغي الكامن في جماجما، من خلال توظيف أبحاث الدماغ في تنمية المواهب العلمية والقدرات الإبداعية والنواحي الوجدانية والمنطقية وعلاج صعوبات التعلم على وجه الخصوص. وتُعد نظرية التعلم المستند إلى الدماغ إحدى الاتجاهات التربوية في الفكر التربوي الحديث، ونهجا للتعلم المبني على البحوث الحالية في علم الأعصاب، حيث قدمت تكنولوجيا تصوير المخ لعلماء الأعصاب أدوات جديدة قوية تساعدهم على النظر إلى بنية المخ ووظيفته لدى الإنسان، مما أسهم في فك شفرة العمليات المعقدة للدماغ والمتضمنة في اكتساب المعرفة والمهارات. والتعلم القائم على الدماغ Brain-based learning مصطلح وضعه ليزلي هارت Leslie A. Hart في كتابه Human Brain and Human Learning. ويعني البيئة التي تسمح للدماغ أن يعمل بشكل طبيعي. وبذلك يعمل بفاعلية كبيرة. ولكي يتم ترجمة أبحاث الدماغ في غرفة الصف يجب مراعاة العناصر التسعة المنسجمة مع الدماغ التي أبرزها كتاب كارين د.أولسن وسوزان ج. كوفاليك Susan J.Kovalik & Karen D. Olsen وعنوانها: تجاوز التوقعات، دليل المعلم لتطبيق أبحاث الدماغ في غرفة الصف، وهي: 1- غياب التهديد/ تعزيز التفكير التأملى: إذا كانت أبحاث الدماغ تؤكد أن الانفعالات هي مفتاح التعلم وبوابته، وأنها التي تقود إلى الانتباه والتذكر وحل المشكلات... إلخ. لذا كان من الأهمية بمكان تهيئة بيئة تعليمية تعلمية خالية من التهديد، بما يسهم في توفير بيئة تساعد على تحقيق التفكير التأملى. 2- الحركة: لاشك أن لحركة الجسم دورا فاعلا في تعزيز التعلم المنسجم مع الدماغ. إنها تضفي المتعة، وتضبط الحالة الانفعالية، وتسهم في إعادة النشاط وتخفيف الضغط عن الطلاب المتوترين، وتطلق عامل BDNF وهو مادة مغذية للدماغ تعزز التفكير وتقلل التوتر. ولذلك يعتبر جلوس الطلاب على المقاعد الدراسية دون أنشطة حركية وضعا سيئا بالنسبة للدماغ. 3- التعاون: السمة الغالبة على التعلم هي أنه يحدث في سياق اجتماعي فنحن مفطورون جينيا على التعلم على هذا النحو.. فتنمية الذكاءات المتعددة تحتاج إلى أسلوب التعلم التعاونى، وهو من أقوى الأدوات لتحقيق ذلك، إذ إن المجموعة التعليمية المكونة من ذوي قدرات ذكائية مختلفة تقدم نتيجة أكثر فاعلية. 4- البيئة الغنية المحسنة: الحواس هي طاقات للمعرفة ونوافذ للتعلم، وكلما تضافرت قوى الإحساس في مجال التعلم كان التعلم فاعلا وكانت مخرجاته أفضل، وكلما كان مدى المعطيات الحسية أكبر، زاد النشاط الفسيولوجي في الدماغ وزاد نموه. 5- المحتوى ذو المعنى: إن وجود محتوى له معنى بالنسبة للمتعلم يعني تحقيق الاهتمام من قبل المتعلم بالنسبة للمحتوى. إن هذا الاهتمام يساعد على ربط الخبرات السابقة ذات الصلة بالتعلم الجديد. 6- الخيارات: تركيب كل دماغ يختلف عن الآخر بسبب العوامل الجينية والبيئية، والخبرات السابقة، لذا يتعين علينا أن نسمح للطلاب بأن يختاروا الأنماط التي تناسبهم لحل مشكلة ما، ما دام أنها تعطي أجوبة صحيحة ونواتج مفيدة. 7- الوقت الكافي: كما أن كل دماغ يختلف عن الآخر، كذلك تختلف طريقة كل طالب عن الآخر في اكتشاف الأنماط، وتكوين المعنى... إلخ. وأيضا تختلف مساحة الزمن التي يحتاجها كل واحد منهم حتى يصل إلى الوضع الصحيح، وحتى يتعلم المفهوم أو المهارة. 8- التغذية الراجعة الفورية: التغذية الراجعة الفورية تساعد على تأمين توصيل الطلاب إلى فهم كامل وصحيح للمهارة أو المفهوم، وهذا مهم خاصة عندما يبدأ الطلاب دمج الخبرات الجديدة بالمعارف السابقة. 9- الإتقان: إتقان الطلاب في صف التعليم لا تمثله العلامات النهائية التي يحصلون عليها بقدر ما يمثله مدى الفهم الذي حققه المتعلم، وقدرته على أن يعمل بهذا الفهم في معترك الحياة العملية. إن العناية بدراسات الدماغ مع أهميته التربوية يعد كذلك مطلبا شرعيا، وكم دعانا القرآن عشرات المرات إلى التأمل في ظواهر الكون {لعلكُم تعقِلُون}.