فرق كبير بين أن تسمع عن أحزان الآخرين وبين أن تعيشها شخصيا... خاصة عندما يكون الفقد هو الأصعب بالنسبة لك. فقدان السند والظهر والذاكرة والقوة والاحتواء.. وهل يمكن أن نطلق على الأب غير هذه الصفات؟ قد لا تكون قريبا منه حد الاحتراق ولا بعيدا حد الإهمال، لكن في لحظة الفراق تشعر بكم هائل من الذكريات والصور التي تغزوك وكأنك تتعرض لهجوم من الحنين الذي يجبر عيونك على افتضاح ضعفك. قبل سويعات من رحيل الوالد كلمته وكان رغم ضعف صوته قويا شامخا كعهدي به وبدا كمودع للحياة مستشهدا بمعلقة زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم ورغم أنه لم يكن يعاني من أي مرض عضال أو خطير، إلا أنه استشعر أن المنية باتت على الأبواب فنصحني بما رباني عليه بأن أكون بارا بأهلي وأن أكون صادقا ومهنيا في عملي وأن أعطي أولادي حقهم من الاهتمام وإخواني حقهم من صلة الأرحام، وأوصاني بالتميز والتجدد حتى لا أقع في رتابة الحياة التي أصابته بالملل في أواخر أيامه. كنت أريد الانعزال لأيام وربما أكثر من ذلك حزنا على الفقد الأصعب، لكني كلما تذكرت كلماته أجد أن الانعزال هو موت آخر ووالدي كان يريد لي أن أحيا الحياة لا أن أعد أيامها فقط. إلى جنان الخلد يا صديقي وملهمي ومعلمي ووالدي وكل الشكر لمن واساني برحيلك حتى لو بتغريدة بعد أن تغيرت أحوال الدنيا وبتنا نعزي بالواتساب. أما من حضر ووقف بجانبي فقد أشعرني بأن الدنيا ما زالت حلوة رغم سواد الموقف وحزني فيه.