لا شك في أن المشاريع الجديدة والكبيرة لها صدى جميل وتنال الاهتمام من المسؤولين والإعلام، وتولد نشاطا اقتصاديا محيطا وتشعل حماس أهالي المنطقة وتطلق مخيلتهم فيه. مقابل ذلك نجد المشاريع والمباني والطرق التي مر عليها سنوات تعاني من الإهمال. قد كانت في زمن ما عرضة للصيانة المستمرة عند أصغر عطل بحيث تتم المحافظة عليها وكأنها جديدة لفترة. أما بعد حين فيظهر معدن المشروع وجودة المواد والتنفيذ (أو انعدامها) عند تراكم الأعطال والحفر والكسور لدرجة أن يصبح «الشق أكبر من الرقعة». عندها لا نجد صيانة إلا بعد إلحاح وتكون محدودة التأثير والمجال ويأتي رد المسؤولين أننا بحاجة لمشروع متكامل جديد وليس صيانة دورية. وإن كان التغيير جميلا ومن سنن الحياة، إلا أن ذلك لا يعني أن نطمس السابق تماما. لدينا إمكانية للتحسين التدريجي، ولكن هذا النوع يبدو أنه لا ينال استحسانا لدى بعض متخذي القرار. النتيجة هي طمس للأماكن وذاكرتها من خلال وضع مشروع فوق الآخر. هذا السلوك يقطع الاستمرارية التاريخية للأماكن وبالذات عندما لم تكن الحاجة للتغيير ملحة كما هو في الكورنيش الشمالي في الخبر مثلا. بين طبقات المشاريع تبقى سنوات من التعطيل الذي يشبه الشرخ في النسيج العمراني والزمني للمدينة. بين المشروع الجديد وهالته الإعلامية، والصيانة المحدودة شبه المخفية، يقع عالمنا. عالمنا الذي نعيش فيه ونعرفه. شوارعنا التي نسلكها يوميا وأماكننا التي نرتادها دوريا. تكرار زيارتها يجعلها ليست مكانا فقط بل هي جزء من حياتنا. بيوت وأحياء شكلت خلفية لحياتنا، نذكرها بذكريات أحداثها. إن كان عالمنا المحسوس يتسم بالثبات والاستقرار فإن حياتنا التي نعيشها فيه متغيرة. ولكن الثبات الذي أقصده ليس ثبات فعليا، فالأشياء تنكسر وتتهالك وتصدأ وتنهار وتفشل وتندثر. هذه طبيعة العالم الذي يحتاج صيانة وتحسين مستمر. ولكن هذا التحسين لم يأخذ حقه. تبقى غالبية المدينة على حالها لسنوات لدرجة أن سكان الحي يحفظون الحفر التي ترافق يومياتهم لعقود. ماذا يحدث لِما ينكسر أو يتعطل في عالمنا الاستهلاكي؟ لو أخذنا الهاتف الجوال مثالا، قد نرميه أو نبيعه لأبسط عطب أو لاستبداله بما هو أحدث، وإن لم نتخلص منه قد يبقى حبيس الأدراج فننساه. وهذا الفكر ليس بعيدا عما نراه في مدننا. فالإهمال العام على أمل ألا يتعطل الشيء واعتقادا بأن الجديد يبقى جديدا يغلب، ويليه الإهمال عند العطل وكأن التهالك أتى مفاجئا. يقول ستيفين جاكسون (Steven Jackson) أن تبني «فكر العالم المكسور» (Broken World Thinking) يجعلنا نعترف بهشاشة عوالمنا البشرية والتقنية والطبيعية ويضع في مركز اهتمامنا ضرورة الإصلاح والصيانة لكل ما ينهار ويتعطل. وعلى عكس ما يعتقد من أن الانهيار هو النهاية، يوضح أن الإصلاح فرصة للإبداع والابتكار والمعرفة والقوة. أليست جميعها ما نسعى له؟ لعلنا نعطي الإصلاح حقه وفرصته التي لم يحصل عليها ونشجع على ثقافته لنجني تلك الثمار مما لدينا بدلا من الاستبدال بالجديد.