أذكر مثلا أو هو قول عامي يُردده الناس في وصف من يعجز عن المواءمة بين خياراته، أو من يحتار بين جدوى أولوياته وخياراته، المثل يقول: فلان ما يدري يروح للشام أو يفجرالبركة (البرتسة). فالذهاب إلى الشام (وقت قول المثل) صعب وطويل وربما خطر. بينما فجر البركة لا يستحق إلا التفاتة ودقائق. قرأنا عن عزم الأمريكان بناء جدار بينهم وبين المكسيك. وقرأنا عن عزم اليونان بناء «جدار» من الأسلاك الشائكة يفصل بينها وبين تركيا كجزء من وسائل الوقوف في وجه الهجرة غير الشرعية.. ألا ترون أن «الجدران» العازلة في العالم أصبحت من الماضي، جدار برلين تحطم، وبناء جدار جديد بذريعة الحد من عبور المهاجرين، أمر غير منطقي. ثم إن الهجرة لن تتوقف في ظل ظروف الحرب والفقر التي تعيشها بلدانهم تلك، وأن مسألة الهجرة غير الشرعية مسألة دولية، ويجب أن تجد حلا دوليا، وإن الحواجز بين البلدان ليست الحل المناسب.. تلك الأشياء (الجدران) تحمل تكاليف باهظة. والرؤساء والبرلمانات تركوا الهموم الأهلية والسهلة جانبا وانصرفوا إلى الخرسانة والحديد علها تحل معاناتهم من الهجرة والتسلل.. ولندع الجغرافيا جانبا. ولنعد للتاريخ فهناك سور الصين العظيم، وسد يأجوج ومأجوج. وخط بارليف (تحطيمه كان بصمة العزم العربي) عام 73 ميلادية. وتفكر بلدان كثيرة الآن بالدخول إلى «اقتصاد الجدران». تقدم الرصد الإلكتروني والعدسات الحساسة للضوء، والكاميرات الخفية ذوات الارتباط بالأقمار الاصطناعية وطائرات الإيواكس. مختصر عبارة: (Airborne Warning and Control System) أي: (نظام الإنذار والسيطرة المحمول جوا) كل هذه التقنيات لم تنفع!، فعدنا إلى «الجدران» والأسلاك، لأننا مشحونون بالخوف. ألا ترون الكيان الصهيوني على زعم تقدمه التقني لا يفكر إلا بالجدران!، فبين حين وآخر نسمع عن مشروع جدار!. وكذلك في منطقة رفح حيث قرأنا عن شيء مماثل.. وكانت المدن والقرى عندنا تُحاط بسور من الطين والحجارة يسمونه (العقدة) بفتح العين وسكون القاف وكسر الدال. ويجري إنشاء بوابة (دروازة) أو أكثر. تُغلق بعد صلاة العشاء وتُفتح بعد صلاة الفجر. وربما قام في السور بعض الأبراج لمراقبة القادم عن بعد، وإنذار الأهالي إن لزم الأمر.. ودعوة الأمهات لأولادهن هي: يحيط عليك سور. معناها يحرسك الله، أو يحفظك. وهو (أي السور) كما نرى عبارة عن انصراف طبيعي لدى البشر. فمهما أوتينا من تقنية لابد من (سور، أو جدار، أو حائط).. أو أن فيه ريحة مقاولات في الموضوع؟