أبرزت صحيفة «فينانشال تايمز» البريطانية، مدى التفكك والتشرذم اللذين يعانيهما المشهد السياسي في دول الاتحاد الأوروبي. وأشارت الصحيفة في تقرير لها إلى أن حصول حزب قومي إسباني الشهر الماضي على 12 مقعدا في انتخابات برلمان إقليم الأندلس، لم يكن مجرد أحدث مثال على تزايد النزعة الشعبية في أوروبا، موضحة أنه أظهر توجها أعمق يهدد بتعطيل منظومة الحكم في جميع أنحاء القارة. ولفتت إلى أن هذا التوجه يتلخص في تشرذم الناخبين والأحزاب التي تمثلهم، مضيفة: انشق التمثيل في كل نظام سياسي كبير تقريبا في أوروبا، ما جعل من الصعب تشكيل ائتلافات حاكمة، وخلق حالة عدم استقرار سياسي، وأعطى صوتا لتشكيلات جديدة ضمن اليسار واليمين المتطرفين وفي الوسط السياسي. » اليسار واليمين ونقلت الصحيفة عن هانز والارك، وهو عضو في البرلمان من يمين الوسط من السويد، قوله: لديك أبعاد جديدة في السياسة اليوم، ليس الأمر سهلا كما لو كان لديك مقياس بين اليسار واليمين يمكنك أن تضع فيه الخيارات السياسية. ليس بالضرورة نظام فوضوي، لكن المشهد السياسي الجديد يتشكل. سنرى ذلك لسنوات عديدة. وأردفت الصحيفة البريطانية: كان الخاسرون من تفكك السياسة الأوروبية في معظمهم من أحزاب يسار ويمين الوسط. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو، من المرجح أن تفقد كتلتا يسار الوسط ويمين الوسط أغلبيتهما لأول مرة منذ 25 سنة. فيما قال طارق أبوشادي، الأستاذ المساعد في جامعة زيوريخ ومركز أراو لدراسات الديمقراطية، للصحيفة: هناك 3 أسباب عميقة تكمن وراء هذا الاتجاه، فقد أصبحت المجتمعات أكثر فردية، والمنظمات الكبيرة مثل النقابات والكنائس والأحزاب السياسية تفقد قدرتها على ربط الناخبين بهوية معينة، كما أصبح النقاش السياسي متعدد الأبعاد أكثر. وأضاف أبوشادي: على سبيل المثال، لم يعد الأمر يتعلق برأس المال مقابل العمل، بينما يعارض بعض الليبراليين الاجتماعيين وكذلك المحافظون الهجرة الآن. ومضى أبو شادي يقول: أصبحت الأحزاب الرئيسة أقل قدرة على الاستجابة بسرعة للاهتمامات والقضايا الجديدة. باتت أشبه بمتاجر قديمة في ستينيات القرن الماضي تتنافس مع محلات جديدة رائعة. » مثال متطرف وتابعت الصحيفة البريطانية تقول: المثال الأكثر تطرفا لهذا التشرذم هو هولندا، وبفضل نظام التصويت النسبي إلى حد كبير، فاز 13 حزبا بمقاعد في البرلمان المؤلف من 150 عضوا هناك في الانتخابات العامة لعام 2017، وتتكون الحكومة الائتلافية من 4 أحزاب وتتولى السلطة بعد 225 يوما من إدلاء الناخبين بأصواتهم، لافتة إلى أن بعض المحللين يصفون اتجاه التجزئة بأنه «هولندي» النشأة. ونقلت عن سارة دي لانج، من جامعة أمستردام، قولها: إن الهولنديين شهدوا تعدد الأحزاب من قبل، في الستينيات والسبعينيات، لكن بدون نطاق المواقف السياسية اليوم. وأضافت دي لانج: أصبحت المؤسسات القائمة أصغر وأصبح القادمون الجدد أكبر، في الوقت نفسه انفصلت الأقطاب السياسية عن بعضها البعض. جعل هذان التطوران من الحكم مسألة صعبة. ولفتت الصحيفة إلى أن ثمة استثناءات في أوروبا، ومعظمها بسبب الاختلافات في النظم السياسية، ونقلت عن الأستاذة سارة هوبولت من كلية لندن للاقتصاد، قولها: بالنسبة للعديد من الناخبين، قد يكون التنويع السياسي إيجابيا، الناس يحبون الاختيار المنسجم، إنهم يحبون أن تكون هناك أطراف تمثل وجهات نظرهم.