قالت لي طبيبة مؤخرا إنني أسوأ نوع من المرضى وذلك بعد أن شرحت لها تعاملاتي مع الأطباء على مدى السنوات. لا أعلم إن كنت فعلا «الأسوأ» ولكنني وصلت إلى قناعة بأن ما أقوم به هو ما يجب أن أفعله، وإن كنت الآن «هكذا» فذلك ردة فعل لتجاربي مع الأطباء. الآن عندما أذهب للطبيب وأجد لديه من الطلبة أعطيهم سيلا من المحاضرات والنصائح. أذكرهم بأنني بغض النظر عن تخصصاتهم الدقيقة إلا أنني إنسانة كاملة، كل جزء بها يتأثر بالآخر، لذلك لا يهمني أن يخلي مسؤوليته بأن ما بي من ألم ليس من تخصصه وأطالبه بأن يحولني على من قد يساعدني. جسم الإنسان معقد وعظيم. في ملكية كل منا دليل على بديع خلق الرحمن. كما تشدني البرامج الوثائقية بدقة معلوماتها، فإن تركيبة الإنسان تشدني من جانب التفكر في خلق الرحمن ومن ناحية أخرى كوعاء لذاتي أتمنى أن يعمل بكامل طاقته وقدرته. أبسط العمليات التي لا نفكر فيها من تنفس وهضم وحركة وتعرق ونوم فيها إعجاز عظيم. عندما تعمل هذه الماكينة قد لا نعيرها الاهتمام، ولكن عندما يختل توازنها لأي سبب كان يتوجه لها الاهتمام والقلق. إنني بطبيعتي أقرأ وأجد أنه من الطبيعي أن أبحث في الأعراض إن لم تزل بعد مدة وبالذات أنني لا أحب زيارة الطبيب إلا للضرورة بعد عدة تجارب مع أطباء يستخفون بالمرضى ويقللون من أهمية مشاعرهم مثل طبيبة ضحكت عليّ في غرفة الطوارئ مثلا أو آخر عندما سألته عن الاسم العلمي لتشخيصه غير المقنع وإنكاره للألم الذي أحس به رمى ملفي على الطاولة بيننا بعصبية. هذه المواقف وغيرها تجعلني أحاول تقليل الاحتكاك بالأطباء. مشكلتي مع بعضهم أنهم لا يرون الإنسان. لا يستمعون إلا لبعض ما يريدون سماعه. يبحثون في حديث المريض عن كلمات مفتاحية ويتجاهلون القصة الكبرى ويفوتون الارتباطات بين الأعراض التي لا تهم تخصصاتهم ولا يجدون داعيا لتتبعها. بعض الأمراض تحتاج لسنوات لتشخيص صحيح بسبب ذلك يجد المريض نفسه في دوامة من التحاليل والتجارب والخيبات التي تنتهي بجسم متهالك وفقدان للثقة بالطب والأطباء. يتعلم الطبيب كما هائلا من المعلومات الدقيقة وعليه تذكر الكثير ولديه بروتوكولات وإجراءات عليه القيام بها ولكن ما لاحظته أن تجربة المريض من أول الأعراض وحتى التشخيص الصحيح والعلاج تفوته. لا يعلم مدة ومدى معاناة الناس في أروقة المستشفيات بحثا عن الرعاية والاهتمام. لذلك ونظرا لأنني لا أستطيع إلا تحمل مسؤولية نفسي بدأت أبحث وأقرأ. أدخل على الطبيب بأسئلة واضحة واحتمالات وأناقش لدرجة أنهم يسألونني مرارا إن كنت طبيبة. جوابي يكون دائما أنه كما لدينا من الأطباء الذين يعتبرون أنفسهم مهندسين لخبرة اكتسبوها فإنني في المقابل معمارية هوايتها الطب. أحيانا أختبر الأطباء بمعلوماتهم عندما أسأل سؤالا عن أمر ويجيب بعكس ما قرأت، فأخرج له بحثا من مجلة علمية محكمة في نفس المجال وأطلب منه قراءة جزء حددته ليشرحه لي. لعلها من الممارسات التي لا يحبها الأطباء ولكنني لست هناك للتحدي بل للوصول إلى الحل. بعض الأطباء قد يسألني وماذا قرأت بعد؟ والآخر يستمتع بالنقاش. إن الطب في تقدم مستمر لذلك كان من الطبيعي أن لا يعرف الطبيب كل شيء ولا أدعي أنني أعرف أكثر منه. بعد سنوات من التعامل مع الأطباء أصبحت أقدّر الأطباء الذين يأخذون وقتهم ويستمعون بدقة ويجيبون عن التساؤلات ويحاولون الفهم الكامل ويحترمون المريض ومشاعره. هؤلاء أيضا يقبلون تدخلي في تخصصهم؛ لأن جسمي وصحته هو شأني، ويعتبرونني شريكا في العلاج بدلا من متلقٍ فقط. احترامي وتقديري وشكري لهؤلاء.