طرح أحد الإخوة الأفاضل سؤالا في إحدى المجموعات (القروبات) من خلال تطبيق ال «واتساب» عن سبب قلة التفاعلات والمناقشات في تلك المجموعة، وقد أوحى إليَّ ذلك بفكرة هذا المقال لعلي أخوض في النقاش أو أتفاعل مع السؤال بأريحية أعمق هنا حيث إن الأفكار قد تكون أكثر تنظيما. ولعل من الأسباب كثرة المجموعات لدى البعض وازدحام الجدول اليومي بالأعمال والنشاطات، وهذا قد يجعل الوقت يذهب في بعض النقاشات هباء منثورا وبغير فائدة بسبب كثرتها ويصبح التشتت هو السمة الغالبة. ومنها أنه ليس من الضروري أن يتحدث الإنسان في كل موضوع، فقد يجيد مسألة دون أخرى. وقد قيل: لا تقل فيما لا تعلم فتتهم فيما تعلم!. بالإضافة إلى ذلك ليس المعيار هو بكثرة الكلام والمشاركات والنقاشات، بل ربما تكون الإجابة المختصرة هي الخلاصة والشافية. وقد قال يحيي بن خالد البرمكي: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون، ويحفظون أحسن ما يكتبون، ويتكلمون بأحسن ما يحفظون. وهناك نقطة مهمة وهي أني أعتقد أن النقاش من خلال هذه التطبيقات لن يغير قناعات الآخرين ببساطة إلا إذا كانت قناعاتهم هشة!، نعم قد يفتح آفاقا وأفكارا جديدة، ولكن لا يتم التغيير من خلال نقاش بسيط عبر المحادثات. ومنها أن بعضا من الناس لا يستطع توصيل المراد بدقة أو قد يستخدم ألفاظا وكلمات غير موفقة وقد تفهم خطأ من الطرف الآخر، وذلك قد يؤجج بعض النفوس غير المتمرسة على سعة الصدر في النقاش. والأمر الذي لا بد أن نفطن له أيضا أن بعضا من الأشخاص حساسون جدا (العاطفيون يمثلون تقريبا 80% من المجتمع) لبعض المسائل دون غيرها والصمت في هذه الحالة خير من الكلام. ولعلنا نأخذ بنصيحة الشافعي -رحمه الله- حين قال: إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل! ومنها أنه ليس كل المواضيع والمسائل ذات قيمة للنقاش أو تستهوي الجميع؟ بل بعضهم قد يفضل الصمت على النقاش أصلا، وحسن الاستماع هو أول طريق العلم. والبعض قد يكون أفرغ ما في جعبته من كثرة الكلام في اجتماعات العمل أو على الورق إما عن طريق كتاب أو مقال أو التحدث في عدة مناسبات ومحاضرات، فيكون الاستماع عنده أفضل من الحديث. ومنها كثرة الردود والكلام من عدة أشخاص في المجموعة الواحدة. وقد قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في حكمة بليغة: إن كثير الكلام يُنسي بعضه بعضا. وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يعظ أصحابه كل أسبوع فقالوا: لو زدتنا؟ فقال: إني أخشى أن أملكم! والأمر الآخر المؤثر هو كثرة الرسائل والفيديوهات والصور التي تصل أحيانا بالمئات في اليوم الواحد، تجعل الإنسان يصل إلى مرحلة التشبع من كثرة ما قرأ وسمع من خلال الجوال، والنفس البشرية ملولة بطبعها! وختاما دعوني أكون أكثر صراحة معكم، فعلى مستوى النقاشات (والذي قد يكون بعضها سفسطائيا) النفس البشرية صعبة المراس وهي توحي إلى صاحبها أنه دائما على صواب، والصراع معها قوي من أجل أن تضحي برأيها من أجل رأي الآخرين ولا يحسن هذا إلا كبار النفوس الذين يبحثون عن الحق والأصوب، وتلك منزلة تحتاج إلى صبر وممارسة وحب التعلم ولو من النملة أو النحلة أو أي كان. وقد جاء في الأثر: «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها» وذلك قمة الانفتاح الفكري وجمال التواضع!.