كأنها ليلة البارحة عندما كتبت مقالي العام الماضي عن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 32) الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني من كل عام، وبدعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-. أيام سريعة مرت ليأتي مهرجان الجنادرية لهذا العام حاملا معه كل معاني الوفاء والولاء، فالمهرجان دائما ما يبدأ بأوبريت يحمل عنوانا يرمز للوطن والعز والعروبة، وأتى هذا العام الأوبريت حاملا عنوان (وفاء وولاء)، الوفاء والولاء من الشعب لقيادتهم ومن القيادة لشعبها، والحمد لله بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، وبحضور أشقائنا من دول مجلس التعاون الخليجي. المهرجان والذي يقام سنويا وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود هو مناسبة تاريخية عظيمة تدل على اهتمام حكومتنا بالثقافة والتراث السعودي، وتأكيد الاهتمام وتذكير الأجيال به، هذا الحدث الذي يقام بتنظيم كامل من الحرس الوطني وبمشاركة عدد من الجهات الحكومية والأهلية وتوسيع دائرة الاهتمام بالفكر والثقافة بالحرص على تواجد وحضور نخبة كبيرة من الأدباء والكتاب والمثقفين والمفكرين والإعلاميين من داخل المملكة وخارجها، هو فرصة لعشاق الثقافة والتراث ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضا لدول الخليج العربي والتي يخصص لها المهرجان من كل عام مقرات دائمة يقدمون فيها أنشطتهم وفعالياتهم المستمرة طيلة أيام المهرجان. وبطبيعة حال المهرجان الوطني (الجنادرية) من كل عام فإنه يستضيف دولة صديقة تشارك المملكة في فعالياتها تكون هي ضيفة شرف المهرجان تتواجد فيه وتقدم فيه تراثها وثقافتها وفعالياتها، وضيفتنا لهذا العام هي دولة إندونيسيا الإسلامية الشقيقة، مزيج جميل ورائع وراقٍ يقدمه المهرجان لزواره من خلال تنوع الثقافات الإسلامية والعربية والخليجية والفعاليات التي يراها الزائر لتتلمس جميع الأذواق فيتنقل بينها ويتعرف عليها عن قرب، مكان يجد الزائر فيه سواء الصغير أو الكبير المتعة والفائدة، وما أجمل مصادفة توقيته هذا العام، إذ يصادف إجازة منتصف العام الدراسي، فهو فرصة مناسبة لجميع أفراد الأسرة للذهاب للمتعة والفائدة. المتابع للمهرجان يجد التطور والتنوع الذي شهده على مدى عقوده الماضية من خلال ازدياد الأجنحة المشاركة وإقامة المحاضرات والأمسيات الشعرية، وازدياد أعداد الفعاليات المصاحبة والعروض والأزياء الشعبية والفلكلورية والفنون التشكيلية والمسابقات المختلفة، كمسابقة القرآن الكريم وسباقات الهجن والفروسية واحتوائه على معرض للكتاب ومركز للوثائق والصور وارتفاع أعداد الزوار، وما يزخر به من إبداعات متنوعة ومختلفة من كل مناطق المملكة من وسطها ومن شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، تقدم تراث وثقافة المنطقة التي ينتمي إليها، مما يتيح للجميع التعرف على كل الثقافات والعادات في مكان واحد يجمعها، ليس ذلك فحسب ولكن أيضا يستعرض إنجازات مملكتنا والتطور الذي شهدته مختلف المجالات على جميع الأصعدة، من خلال إيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه وبين تلك الإنجازات الحضارية، وتشجيع اكتشاف هذا التراث الشعبي وبلورته بالصياغة وتوظيفه في أعمال أدبية وفنية ناجحة. من خلال هذا الحدث تبرز رسالة مهرجان الجنادرية للعالم أجمع والتي يحرص الحرس الوطني على إظهارها، وهي التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ وخدمة المجتمع السعودي في الدفاع عن هذا الوطن وعقيدته وأمنه واستقراره.