لم تعبر المملكة العربية السعودية إلى مكانتها الاقتصادية الحالية كأكبر اقتصاد في المنطقة بنسبة نمو بلغت فقط هذا العام نحو 1.2 في المائة من فراغ، وإنما سارت إلى تلك المكانة مدفوعة بتضافر وتآزر جهود من كافة قطاعاتها الاقتصادية بما فيها القطاعات النفطية وغير النفطية، وقبل هذا بتصميم وإرادة من قيادة سياسية حصيفة، تولت زمام أمور المملكة منذ الملك المؤسس -تغمده الله بواسع رحمته-. إن الرؤية الحصيفة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين في إدارة مملكتنا الحبيبة تنبض بالرؤية الحكيمة، ولعل أبرز ملامح ذلك هو الوعي بمتطلبات المرحلة، والذي دفع ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى التفكير مليا في تنويع مصادر الدخل القومي، خصوصا وأن النفط مهما عظمت احتياطياته فهو في الأخير غير متجدد، ومن هذا المنطلق كانت رؤية 2030 التي جاءت في الموعد المناسب لتخط للمملكة طريقا جديدا نراها من خلاله قلعة حصينة من قلاع الاقتصاد العالمي، لا تعتمد في دخلها القومي على النفط فقط، وإنما تتنوع مصادرها بالشكل الكافي الذي يجعل قاطرتها تسير دون نفط تماما، وذلك استعدادًا لمستقبل قادم تنفد فيه الموارد النفطية جميعها. إن تسخير موارد الحاضر لخدمة المستقبل شيء ضروري، وطالما جاد علينا الحاضر بما يمكن استخدامه في التأسيس لمرحلة جديدة؛ فلا بد من الخطو بثبات نحو هذا واللجوء لخطط طموحة تبني للمستقبل ما نود له أن يكون عليه، وكل هذا سيتحقق حتمًا بشكل تدريجي، شكل نعظم فيه القطاع غير النفطي، ونعمل معا من أجل نقله إلى حيز جديد يكون فيه منافسًا ومباريًا للقطاع النفطي في إيراداته وتطوره المتلاحق. وها هو الواقع، في ظل القيادة الرشيدة والحكيمة من الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان يخطو بنا في الاتجاه الصحيح، حيث تظهر البيانات والإحصائيات أن التطور في القطاع غير النفطي يتواصل عامًا بعد عام، حيث «ارتفع الناتج المحلي للقطاع غير النفطي بنسبة 1.6 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ليصل بذلك إلى 371.02 مليار ريال (98.9 مليار دولار)، بهذه الأرقام يمثل القطاع غير النفطي المستقبل للمملكة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لذلك يجب أن تتركز حوله كافة جهود المسؤولين حتى ننعم جميعًا بمستقبل مضمون يفي بما نرغب وبما نحلم. إن البناء للمستقبل يتطلب دراسة جيدة للواقع وإلماما تاما بمعطياته، وإنه فضلًا عن تلك الدراسة وهذا الإلمام، فإن البناء للمستقبل يتطلب حكمة ودراسة متقنة، تحافظ على الثبات والرسوخ، وتضمن في نفس الوقت الإنجاز والتقدم إلى الأمام، وتلك مهمة اضطلع بها وليّ العهد وكلنا ثقة في نجاحه وعبوره بالوطن إلى حيث نتمنى جميعًا من خير وسؤدد.