يقول الكاتب الاقتصادي الأمريكي تود جي باكولز: «ليس من السهل أن تكون مفكرا اقتصاديا، فالمدراء التنفيذيون للشركات يهاجمونهم لعدم حسابهم التكاليف والأرباح بالدقة المطلوبة، ويتهمونهم محبو الأعمال الخيرية بأنهم شديدو التدقيق في التكاليف والأرباح. أما الساسة فينظرون إليهم على أنهم هادمو اللذات الذين لا يسمحون لهم بأن يَعِدوا الجماهير بتحقيق الرخاء دون تقديم أي تضحيات. وقد كرس عدد من الكتاب الساخرين وقتهم لمهاجمتهم، أمثال جورج برناردشو وتوماس كارلايل، في الواقع بدأ موسم الهجوم على المفكرين الاقتصاديين منذ أن أطلق كارلايل على الاقتصاد اسم (العلم الكئيب)». «العلم الكئيب» هذه بداية أردت أن أبدأ بها مقالي، هل بالفعل الاقتصاد «علم كئيب» كما وصفه الأديب والكاتب الاسكتلندي توماس كارلايل؟. في الحقيقة هو كذلك لمن لا يعرفه بعمق، فنحن نعاني بالذات في بلداننا الخليجية من نبذ الاقتصاد مكانا قصيا، وكأنه علم يجلب الكآبة، وتحل وطأته على من يقرؤه بالذات أولئك الذين يعشقون السياسة ويرتشفون منها مليا، ويميلون للثقافة ويستأنسون بها، ولابد لهم أن لا يتجاوزوا أخبار الفن فهو تحليتهم التي قد تصيبهم أحيانا بتخمة القراءة وتسممها، ولكن أحداً من غير المختصين لا يقرأ الاقتصاد إلا لمما. في الحقيقة إن أزمة المفكر الاقتصادي في بلداننا تتجلى في القارئ والمتلقي، فشح الأخير يجعل المفكر الاقتصادي عملة نادرة، وإذا وجد فقد يكون لا وزن له، فلا جمهور يمكن أن ينتقده لأن من يقرأ له هم القلة وإن كانوا من النخب وتلك إشكالية أخرى فهؤلاء لا يتفاعلون ولا يشكلون رأيا عاما قويا. واقعاً، كم يؤلمني أن يكون القارئ الخليجي الذي بات يملك اليوم إشعال قضية رأي عام ويقضي فيها عبر «ترند» من المتفاعلين، وهو دليل على المتابعة الحثيثة. به هُنة في أهم قطاعات الساعة وهو الاقتصاد. وأنا أراه أنه وريث الدولة الغنية. الاقتصاد يصنع وزنا للأشخاص والدول وليس بحاجة لمن لا يقرؤه، ولكن حين نصنع جيشا من رجال الأعمال متمكنا ومثقفا أنه من سيحكم البلاد، فهو ببساطة محرك الاقتصاد وثقله وهو الصف الثاني والحقيقي للحكومة لأنه القوة الحقيقية. وذلك ما تحتاجه بلداننا اليوم. أزمة المفكر الاقتصادي لدينا تختلف إذن عن ما ذكره باكولز، فالأزمة الحقيقية في الفهم والتقبل له، وإدراج مكانته على الهرم المجتمعي. فالمفكرون والإعلاميون الاقتصاديون الذين يهاجمون في أمريكا بسبب تأثيرهم القوي على السوق، في الواقع هم هنا ناقلون للخبر ومروجون للإعلان لا قيمة لهم في السوق، ليس لذنبهم هم بل لأن أحدا لا ينتقدهم حتى يتطوروا. ولا أحد ينتقدهم لأن لا أحد يقرأ الاقتصاد -إلا القلة- لأنه بكل بساطة «علم كئيب»، وهو الوصف الذي يتسبب في انحسار المفكرين والكتاب في الاقتصاد مسببا لهم أزمة.