مع عامنا الهجري الجديد تحدونا الرغبة إلى تجديد حياتنا، وتنقيتها من الملل والخلل اللذين يتسللان إلى أعمالنا وعلاقاتنا فتصاب بالفتور والانقطاع. والتجديد ليس وقفًا على الأفكار أو الماديات بل يرتقي إلى الإيمان ذاته الذي قد يظن البعض أنه خارج إطار التجديد، لكن المبهر أن الإسلام دعانا بشكل صريح إلى تجديد إيماننا على لسان رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيخلق فِي جَوْفِ أَحَدكُمْ كَمَا يَخلقُ الثَّوْبُ فَاسْأَلُوا الله أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ». (السلسلة الصحيحة، 4/ 113). إنه يريد منا أن نجعل التجديد الإيماني هدفًا نصوغه بأسلوب الدعاء: (اللهم جدد الإيمان في قلوبنا). فالتجديد مفهوم شرعي نص عليه الإسلام، ومفهوم حياتي من سنن الحياة فمن لا يتجدد ينتهي به الأمر إلى الموات وهو كذلك مفهوم حضاري، يعمل على تحديث الفكر والسلوك والمنتجات. بيد أن من الضروري القيام بتحرير المفهوم حتى لا يتحول إلى عملية مسخ أو نقض تحت شعار التجديد، فالتجديد في الإيمان لا يعني تغيير حقائقه أو إنقاصها أو استبدالها، وإنما يعني العودة بالإيمان في أصالته الأولى وتصحيح فهمنا لمضمونه وتنقيته مما ران عليه من بدع الأفكار والأقوال والأعمال، أو لنقل بإيجاز إنه تجديد الصلة بالله تعالى. إن الإيمان الحقيقي يرتكز على يقين راسخ بحقائق العقيدة من الإيمان بالله وبما جاء به رسوله صلى الله عليه و سلم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} سورة الحجرات (15)، ومشاعر تنبض حبًا وخشية لله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} سورة البقرة (165)، وأعمال صالحة شاهدة على صدق إيمان صاحبها، {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} سورة النور(47)، فإذا لم يكن لدينا رصيد كافٍ من هذه المؤشرات الأساسية فهو دليل على أن ساعة التجديد قد حانت. ويحسن بنا أن نتفقد حالة الإيمان من وقت لآخر كما قال أبو الدرداء: «إن من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما نقص معه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد الإيمان أم ينقص وأن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه؟». وتبدأ عملية التجديد من الوعي بأهم حقائق الإيمان وهي توحيد الله تعالى، في شعار (لا إله إلا الله)، وهذا ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جددوا إيمانكم «قيل: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله) رواه أحمد. فإعلان التوحيد هو أعلى شعب الإيمان كما جاء في البيان النبوي: (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان). روى الشيخان. والقصد من الإكثار من ذكر كلمة التوحيد أن يصل معناها إلى القلب، فليس الترديد اللساني لكلمة التوحيد هو الغاية، بل بناء الوعي بدلالات التوحيد عقيدة وفكرًا وشعورًا وسلوكًا؛ ولهذا أكد العلماء على أن شهادة التوحيد تنفع قائلها بسبع: بالعلم بها واليقين والقبول والاستجابة والإخلاص والصدق والمحبة. (لا إله إلا الله) هي مفتاح الجنة، لكن تأكد أن مفتاحك يتضمن هذه الأسنان السبعة. [email protected]