أشرفت المملكة على مراحل التقارب بين الزعيمين آبي أحمد وأسياس أفورقي، حتى توج وتحت رعايتها بالاتفاق التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا، الذي وضع منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي على طريق جديد، محققا فتحا من شأنه كتابة واقع آخر بين أديس أبابا وأسمرا، بعدما وقّع قائدا البلدين في مدينة جدة الأحد، وثيقة السلام، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله-، وبحضور ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. وأكد خبراء ومختصون في شأن منطقة القرن الإفريقي، تحدثوا ل«اليوم» عبر الهاتف، أن المنطقة ظلت تنتظر هذه الخطوة منذ سنوات، مشددين على أن نتائجها ستنعكس على عدة جوانب أمنية وإستراتيجية واقتصادية. فائدة أمنية وأوضح الخبير في شؤون القرن الإفريقي الأستاذ عبدالمنعم أبوإدريس في اتصال هاتفي مع «اليوم» أن نتائج المصالحة الإثيوبية والإريترية، تنعكس على دول البحر الأحمر والقرن الإفريقي في عدة جوانب، أولها الشق الأمني، لأنها ستغلق نزاعا امتد لأكثر من عشرين عاما، كما أنها ستساهم في تأمين مداخل البحر الأحمر باعتبار أن إريتريا تطل على مضيق باب المندب الجنوبي ، وهذا المضيق مهم للتجارة العالمية، حيث تمر عبره أكثر من 40% من التجارة العالمية . ويواصل أبوإدريس: أما الشق الآخر، فهوالجانب الاقتصادي حيث سينعكس الاتفاق على الاستقرار في هاتين الدولتين، ويفتح فرصا اقتصادية بينهما، يمكن أن تدار بالتعاون بينهما مع دول الخليج العربي والتي تملك رؤوس الأموال، فيما تملك هذه البلدان الموارد الطبيعية. مدخل إفريقيا وأضاف أبوإدريس: الأمر الثالث المستفاد من توقيع هذا الاتفاق الإثيوبي الإريتري، هو أن هاتين الدولتين تمثلان المدخل لكل إفريقيا، باعتبار موقعهما المطل على عدد من البلدان الإفريقية، علاوة على أن إثيوبيا عضو في تجمع الاقتصاد الإفريقي، وهذا التجمع فيه اتفاقيات وإعفاءات ضريبية، قد يفتح الباب للصادرات التي يمكن أن تذهب من البلدان الخليجية لعدد من البلدان الإفريقية، وبالاضافة لذلك ستجنب المنطقة حالة التشابك الكبير بين إيران وإسرائيل على بعض الجزر الإريترية، حيث إنها موجودة في بعض الجزر وإسرائيل موجودة في بعضها. ويستطرد الخبير في القرن الإفريقي: إن هذه المصالحة يمكن أن تبعد هذا التنافس باعتبار أن هذه الجزر في حال وجود تعاون إثيوبي إريتري، يمكن أن تصبح هناك حماية، لا سيما وأن إثيوبيا بدأت بإنشاء أسطول بحري، ووقعت اتفاقا مبدئيا لإدارة الموانئ الاريترية المطلة على هذه المنطقة. تأمين التجارة وزاد أبوإدريس: الأمر الآخر هو أن هذا التعاون يمكن أن يؤمن حركة التجارة في منطقة بحر العرب والبحر الأحمر ومنطقة المحيط الهندي، ويمكنه كذلك أن يغلق الباب على نشاط القرصنة، ويحرك المنطقة السياحية في بحر العرب والبحر الأحمر، إضافة للازدهار الاقتصادي، لا سيما أن الاستثمارات السعودية تنمو بشكل كبير، حيث أصبحت الآن في المركز الخامس في استثمارات الدول بإثيوبيا. استقرار المنطقة إلى ذلك، قال الخبير في الشأن الإفريقي د. إبراهيم دقش: إن الرعاية السعودية للاتفاق بين إثيوبيا وإريتريا، ستؤدي إلى استقرار المنطقة، لأن معظم الدول في القرن الإفريقي كانت في السابق إذا أقامت علاقات طيبة مع إثيوبيا، فإن هذا يجعل إرتيريا تتحسس والعكس صحيح أيضا، وهذا جعل بعض الدول تنكمش وتبتعد عن البلدين، ولا تدخل في أي إشكالات معهما، لكن الآن ستحدث هذه المصالحة انفتاحا على دول الإقليم وبين دوله أيضا، الأمر الذي سيفضي إلى استقرار المنطقة، لأن أي توجه في القرن الإفريقي سيؤثر على الإقليم بأكمله. وأكد دقش أن الرعاية السعودية لهذه المصالحة تؤمن البحر الأحمر على اعتبار أنه كان يشكل هاجسا أمنيا، إلى أن جاءت رعاية المملكة في الوقت المناسب. ونوه دقش بأهمية خطوة المملكة، وأخذ السعودية هذا الدور الريادي واهتمامها ليس بالقضايا العربية فحسب، بل بقضايا دول الجوار خاصة أمن البحر الأحمر. وعلى ذات الصعيد تحدث رئيس تحرير صحيفة الأخبار السودانية الأستاذ مصطفى أبوالعزائم عن النتائج الكبيرة للمصالحة الإثيوبية الإريترية، وتوقيع اتفاق السلام بينهما برعاية المملكة، واصفا إياها بالمصالحة التاريخية، حيث ظلت المنطقة تنتظرها سنين عددا خاصة منطقة القرن الإفريقي، لأن التوترات القائمة بين الدولتين خلقت نوعا من التحرشات العسكرية المباشرة، وكأنما هناك أحد يحرض على عدم الاستقرار فيها. وشدد على أن عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي ينعكس على كل الإقليم، خاصة مع بعض المشكلات في الصومال، وأيضا الحرب الأهلية في جنوب السودان، فكل هذه التوترات تؤثر على استقرار المنطقة، وسيعيد توقيع الاتفاقية الاستقرار، كما سيوقف زحف اللاجئين، الذين تأثروا من الحرب ونزحوا من مناطقهم إلى أخرى في دول الجوار، وهذا يعني أن تلتفت كل من أديس أبابا وأسمرة إلى التنمية البشرية في البلدين التي ستنعكس إيجابا على منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. أطماع ورصد وأضاف أبوالعزائم: ربما كانت هناك أطماع من بعض الدول للتأثير على أمن البحر الأحمر، ولكن الآن أصبح هناك اهتمام ومتابعة ورصد لأي محاولة تهدد أمنه وتؤثر على أي من الدول المطلة عليه. وعن الدور السعودي في هذه المنطقة الحيوية، أشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ترعى فيها المملكة اتفاقا للسلام بين دولتين، فقد رعت من قبل اتفاقية سلام بين السودان وتشاد، كما رعت اتفاقيات سلام مشابهة بين عدد من الدول الإفريقية، وكذلك اتفاق فيتنام الذي أدى لاستقرارها، حتى يومنا هذا، فالمملكة وقيادتها لهم الدور الكبير في استقرارها.