صدر حديثًا هذا العام ديوان شعر شعبي بعنوان (طيف السهر) للشاعر علي بن عبدالله آل دغيش، وهو الإصدار الشعري الأول للشاعر. ويقع هذا الديوان فيما يقارب 80 صفحة من القطْع العادي، جاءت متنوعة في أغراضها الشعرية، من وطنيات ووصف وحِكم وغزل ومساجلات شعرية وغيرها. وللون والضوء وأطيافه المتعددة حضور واضح في اللغة الشعرية ومفرداتها وتراكيبها لدى شاعر الديوان حتى يبدو لمتصفحه أنه لا توجد قصيدة منه، أو ربما جزء من قصيدة يخلو من هذه المفردات أو ما يقابلها من مترادفات أخرى، حتى كان (الطيف) جزءًا أساسيًا من مسمى الديوان ومادته ومحتواه. فالسؤال الذي يطرح نفسه إذًا هنا هو: ماذا يقصد الشاعر بكلمة (طيف) هنا تحديدًا؟ هل يقصد المعنى الحقيقي العلمي لهذه الكلمة، والتي تعني كمصطلح الضوء العادي المكوّن من الألوان السبعة المعروفة ب(ألوان الطيف)؟ أم أنه يقصد المعنى (المجازي) لهذه المفردة، ألا وهو الخيال أو الوهم أو الحلم، أو ما يقابل جميع هذه المفردات من معانٍ أخرى ذات حقل دلالي واحد، وإن كانت ذات معانٍ مترادفة، يختلف كل منها عن الآخر اختلافًا يسيرًا؟ أم تراه يراوح فيما يقصده بين هذا وذاك؟ أم ماذا؟ لكن حين نستعرض جميع القصائد التي ضمّها الديوان نجد أن مفردة (طيف) يتغيّر مدلولها لدى الشاعر من قصيدة إلى أُخرى! ففي قصيدته المعنونة، مثلًا، ب (إلهام) يقول: وأنتي سراب وطيف وإلهام فيني إنتي الشعر فيني وأنا لك قصيدة وهنا تأتي مفردة (طيف) بمعنى الوهم بدليل ورودها معطوفة بحرف (الواو) على كلمة (سراب) وكأنها تأكيد لها، وذلك نظرًا لتشابه الحال بين (السراب والطيف). وفي قصيدة أخرى بعنوان (الذكرى) يأتي ورود هذه الكلمة بمعنى (الضوء) كقوله: إن ما أقلبت والطيف غازل نظرها ينحاس طيف الشمس ويصده صدود فهنا لا مجال لأن ينصرف معنى الطيف في هذا البيت لشيء آخر غير الضوء في ذهن القارئ أو السامع، بدليل إضافته للشمس مباشرة. وفي معنى ثالث أيضًا تأتي مفردة (الطيف) لتكون بمعنى الأمل والتطلع نحو مستقبل زاهر يحلم به شاعر عاشق مشتاق للقاء حبيبٍ فارقه أو خليلٍ افتقده أو صديقٍ أثير طالما حنَّ للقياه واشتاق لرؤيته بعد غياب طويل كقوله في قصيدة (عزف السواني): يسلم لروح فدوته من فداها يا عَل طيفٍ بالمودة نواني مفردة (الطيف) في هذا الديوان جاءت تحمل معاني كثيرة، غنيّة بأبعاد لغوية وجمالية متعددة، قد لا يتسع المجال لذكرها هنا. وأخيرًا.. أقول: إن هذا الديوان جميل في لغته الشعرية البسيطة المباشرة في مفرداتها وتراكيبها، وفي إخراجه الفني الرائع الشبيه ب(ألوان الطيف) التي ترسمها الحياة بريشة سيمفونية الطبيعة على لوحة تشكيلية رائعة ما هي في الحقيقة إلا انعكاس لروح الشاعر وعاطفته وعقله.