كنت قد تطرّقت قبل عدة أشهر، ليست بالقليلة، إلى أهمية المسؤولية الاجتماعية وفائدتها العظيمة على المجتمعات والأفراد، والتي تتطلب بدورها تفاعل الأفراد، والجهات الحكومية، والشركات، وأقسام المسؤولية الاجتماعية في كافة القطاعات. أمانة المنطقة الشرقية بقيادة أمينها المهندس فهد الجبير، وممثلة في وكالة الخدمات ومهندسها صالح الملحم، أطلقت قبل عدة أيام مبادرة لتشجير حاضرة الدمام، وبعد ذلك توسّعت وتفاعلت وأصبحت على نطاق واسع وشملت البلديات التابعة للأمانة بالمنطقة الشرقية بمشاركة المتطوعين من أبناء وبنات المنطقة، وستستمر لمدة ثلاثة أشهر، وتهدف إلى زرع مئات الآلاف من الأشجار في المرحلة الأولى، موزعة على مناطق المنطقة الشرقية المختلفة. إطلاق مبادرة كمبادرة التشجير ليس المقصود منها عدم مقدرة أمانة المنطقة الشرقية ممثلة بموظفيها في غرس وتشجير الشوارع والأحياء، بل رسالة الأمانة رسالة سامية وهامة ومقصودة، بالإضافة إلى الاهتمام بالبيئة وتنمية الغطاء النباتي في المملكة بزراعة الأشجار المناسبة للبيئة المحلية، فهي أيضًا تهدف إلى خلق بيئة اجتماعية صحية تثقيفية توعوية، وتهدف أيضًا إلى محاربة التصحّر، من خلال مشاركة جميع أفراد المجتمع فيها، الصغير قبل الكبير، وتنمية الحِسّ الجماعي، وأهمية المحافظة على المكان الذي نعيش فيه ونتنفس فيه. مبادرات كهذه تعمل على تعزيز حِسّ المسؤولية المجتمعية، وتمكّن كل المشاركين فيها من التعرّف على نوع النباتات وتنمية الحس التطوعي لديهم، والذي أصبح العمل التطوعي - في بعض الجامعات العالمية، وبعض الشركات بالعالم أحد أهم النقاط التي تزيد من فرص حصول المتقدم على الوظيفة أو المنحة الدراسية أو حتى القبول بالجامعات، وكذلك انطلاقًا من قول المصطفى "صلى الله عليه وسلم": (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، ليس المقصود فيها الزراعة والغرس بمعنى الكلمة؛ لأنه من المعلوم أنه عند قيام الساعة لن يتمكَّن اي كائن أن يعمل أي شيء، لكن المقصود من هذا الحديث الشريف التشجيع على العمل، وأن الإنسان ينبغي أن يعمل سواء العمل بأجر أو العمل التطوعي، والذي يعطي إحساسًا بالراحة والطمأنينة والفخر لا يشعر به إلا مَن جرّبه. أذكر أنه في أيام طفولتنا كان لا يربطنا بالشجرة سوى يوم واحد في السنة، حين كانت تدخل علينا معلمة الفصل، وتخبرنا بأن درس اليوم هو رسم أشجار، وذلك احتفاء بمناسبة اليوم العالمي للشجرة. إن تأثير مثل هذه المبادرات، خاصة على صغار السن، يصنع جيلًا واعيًا متزنًا يشعر بأن لديه القدرة على تغيير مجتمعه البيئي والاجتماعي نحو الأفضل، جيلًا ينمّى لديه حب العمل الجماعي، وروح الفريق؛ لأنه يعلم أنه وحده لا يستطيع حتى غرس شتلة صغيرة، مبادرة كهذه تجعل الطلاب أقل عنفًا، وأكثر حرصًا على النظافة، وأكثر حبًا لبيئتهم وأشجارهم، وأكثر رغبة في المشاركة؛ لأنه من خلالها سيشاهدون ثمار هذا الغرس من خلال نمو الأشجار التي زرعوها بأيديهم، وهي تكبر وتصبح أشجارًا مثمرة ووارفة الظلال تسرّ الأعين. أتمنى من المدارس والشركات والجهات الحكومية إطلاق مثل هذه المبادرات التي تعود على الأفراد والمجتمع بالنفع الملموس على المديَين القصير والبعيد.