منذ بداية العام الحالي كانت مواقع التواصل وموقع «تويتر»على الخصوص، يعج بعشرات التغريدات عن ظاهرة الشهادات المزورة في الخليج حتى انفجرت بلا رحمة قبل فترة بسيطة في دولة الكويت وعلى أثرها في المملكة العربية السعودية وتبعتها مملكة البحرين، ويبدو أنه حان الوقت لتصحيح خطأ في قواعد التعليم والاستثمار واستقطاب الايدي العاملة الأجنبية، وسيشمل على أثره باقي دول الخليج تباعاً. ولعل هذا الأمر الذي أحدث ضجة عالية الصيت يحذرنا من خلل يجب تداركه في تعديل قوانين وتشريعات ومفاهيم حول التعليم ومخرجاته واستقطاب الأيدي العاملة الأجنبية وبعض الاشتراطات والقيم التي يراد لها الانتباه. لا يزال الاقتصاد الحديث وفعالياته ومؤسساته البحثية كلها تؤكد على أن الاستثمار هو الاستثمار في العقول والأيدي الوطنية، ولنا شاهد على ذلك هي ألمانيا التي مرت بكل ويلات الحروب العالمية واستطاعت الخروج منها أقوى من السابق ليس لأنها تملك عقولا لا نملكها ولكنها تقدر تلك العقول وتعطيها أولوية، الأمر هنا يختلف في استنهاض العقول والأيدي وهذا الأمر يتكفله المجتمع قبل الحكومات. وتتبناه الحكومات بعد المجتمع. إنه كأيدلوجية تصنعها بعض القواعد التي تعزز مفاهيم يقبل عليها الأفراد ومن ثم المجتمع. ويمكننا اليوم فهم ذلك من خلال التجربة اليابانية والكورية والهندية والصينية، فلو نقرأ عن تعزيز القيم هناك التي بدأت بالمجتمع قبل الاقتصاد سنفهم كيف أنهم يذهبون للازدهار. بالمقابل شهدنا انحسار عشرات الاستثمارات الأجنبية الهاربة من أسواقنا على أثر الازمة المالية وأزمة أسعار النفط، فلا يزال رأس المال جبانا ولا يمكننا لومهم. ومن جهة أخرى لا بد لنا أن نبدأ من البداية، فسيضيع كل الجهد حين نولي الأيدي العاملة الوطنية أهمية بدون معايير أبرزها «الولاء وتعزيز المواطنة»، وهذه القيمة التي لها مردود عال جداً تتحمل الحكومات جهدها الأكبر ومن ثم الآباء، وهي لا تأتي من فراغ فتعزيز المواطنة يكون من خلال عدد من الممارسات والتشريعات التي تعزز ذلك وتعليّ تلك القيمة، تبدأ من مناهج التعليم، وداخل الأسرة والوعي المجتمعي وبرامج التلفزيون والاعلام بالذات برامج الأطفال وبرامج التواصل والاتصالات. إن تعزيز المواطنة والولاء إنما يقوي الادراك الحسي لدى المواطنين في التضحية من أجل الوطن والعائلة وهذه القيمة تتجلى في تقدير الشخص العالي لنفسه وبأنه يمكنه أن يكون إيجابيا من خلال إنجاز ما ليس من أجل ذاته وحسب، ولا يمكن «للملكية الفردية» أن تقوي هذا الشعور أبدا حين نساهم في تسهيل الاستثمارات المحلية والمشاريع الصغيرة والصناعات اليدوية هو أمر مطلوب، ولكن كيف يمكن أن نقنع المستهلك بتفضيل المنتج المحلي أو الوطني عالي السعر؟ وكيف يمكن أن نقنع صاحب الصنعة «المواطن» أن يهدي بعض أرباحه كضريبة وطنية تساهم في مدخول الدولة القومي؟